كتب الأستاذ عبدالله الفوزان في الرياض الاقتصادي في زاويته (بموضوعيه) مقالا بعنوان (43% بطالة خريجي التعليم الفني والتدريب المهني) في العدد 15884، وكانت الصدمة بالفعل قوية فيما ذكره الفوزان، كوني أحد المنتسبين لهذا المجال، ولعل بحثنا عن السبب لا يجعلنا نلقي باللوم بكامله على المؤسسة العامة للتدريب التقني، والتي أحملها جزءا من المسؤولية ولكن ليست المسؤولية كاملة، والتي تتحمل ثقافة المجتمع وعدم قبوله للعمل التقني والمهني جزءا كبيرا منها، وكذلك مسؤولية القطاع الخاص، فالمجتمع المحلي غير متقبل لعمل الشاب في المجال المهني، سواء على صعيد أسرته أو زملائه أو أبناء مجتمعه، وكلما تحرر الشاب من هذا الحاجز المجتمعي فسيبدع ويتفوق، كما يحدث في مناطق معينة من مملكتنا والتي يتسابق فيها الشباب للانخراط في العمل التقني والمهني بل أن ملاحظة نسب الخريجين الملتحقين بالعمل بعد التخرج تبدو مرتفعة في مناطق بشكل واضح عن المناطق الأخرى. إن دور المؤسسة ممثلة بوحداتها التدريبية (كليات ومعاهد) ينحصر في التدريب داخل الورش والمعامل ومع التسليم بطغيان الجانب النظري على العملي، إلا أنه لايمكن أن تكون الوحدة ممثلة في القسم أو المدربين سببا في ضعف استجابة المتدرب، فالملاحظ في تجهيز الورش والمعامل أنها تحتوي على أحدث وأفضل الأجهزة على مستوى العالم، كما أن المدربين يحملون شهادات عليا ومتخصصون في المجال الذي يدربون عليه، ويبقى تقبل الطالب (المتدرب) للتدريب برمته، فليس خافيا أن المتدرب لايلتحق بالكلية أو المعهد رغبة في تأهيل تقني ومهني بل لأن المعدل الذي حصل عليه في دراسته لم يؤهله للقبول في كليات التعليم العالي، أو فشل في دراسته بالتعليم العام، وينظر للدراسة بالمعهد أو الكلية من خلال المكافأة الشهرية التي يحصل عليها ولا يفكر فيما بعد التخرج..! وطبيعي أنك لو أتيت بأفضل الخبراء والمختصين على مستوى العالم ووفرت أفضل الأجهزة ولم يكن هناك رغبة أو تقبل من قبل المتدرب فلن تحصل منه على فائدة..! أيضا لايمكن التغاضي عن سبب آخر ومهم من أسباب بطالة خريجي التدريب التقني والمهني، ألا وهي مؤسسات القطاع الخاص، فالمؤسسة قامت على شراكة رئيسية مع القطاع الخاص ويشكل مجموعة من رجال الأعمال أعضاء رئيسين في مجلس إدارتها، والغرض بالتأكيد هو أن تتواءم مخرجات المؤسسة مع حاجة القطاع الخاص، لكن الملاحظ عمليا هو أن التخصصات التي تدرب عليها المؤسسة ويقوم عليها عمل القطاع الخاص لاتشهد توظيف شباب سعودي فيها، وأقرب مثال على ذلك وكالات السيارات خاصة ورش الصيانة وقطع الغيار فيها، فما زالت العمالة الوافدة تمثل النسبة الأكبر فيها، بينما يحرم الشباب المؤهل من العمل في تلك الشركات، ومن يقبل العمل فهو أمام تحديات كبيرة تبدأ بتطفيش العمالة الوافدة له، وقلة الراتب وضعف البدلات، وتهميش الإدارات له والتي لم تقبل توظيفه إلا لتسجل اسمه رقما في بياناتها..! والأمر ذاته ينسحب على وكالات شركات الأجهزة الالكترونية والكهربائية، والتي مازالت العمالة الوافدة تمثل أكثر من 85% منها، مع أن الشاب يرغب في العمل بتلك المؤسسات في حال كانت طبيعة العمل في ذات تخصصه وكانت الحوافز المالية مناسبة، وحصول الشاب على وظيفة في شركة ما سيخفي من حدة نظرة المجتمع له وسينظر للشركة دون النظر لطبيعة عمله. وليس دفاعا عن المؤسسة حينما أقول إن دور المؤسسة ينحصر في التدريب المتقن، ومع ذلك بذلت جهودا كبيرة في مسألة التوظيف أو تأهيل الشباب للحصول على مشروع خاص به، وما مشاريع التدريب المشترك ومراكز تنمية المشاريع الصغيرة ومعهد ريادة الأعمال وغيرها إلا تأكيد على حرص المؤسسة على توظيف خريجيها، وهو أمر لانشاهده في قطاعات تعليمية أخرى من جامعات أو معاهد صحية على سبيل المثال، بل أن برنامج (التدريب التعاوني) الذي أوجدته المؤسسة منذ قرابة العشر سنوات كان يهدف إلى تسويق الشاب لدى القطاع الخاص بمنحه فرصة تدريب في ذات المنشأة وإكسابه خبرة تفيده في بحثه عن العمل، ومع ذلك تحجم كثير من المؤسسات عن استقبال الشباب لتدريبهم مع أنها لاتتحمل أية أعباء مالية تجاههم..! إن الإنصاف يقتضي أن نبحث عن أسباب بطالة خريجي التدريب التقني والمهني بعامة متناولة جميع الأطراف والجهات، دون أن نحكم بدور المؤسسة فيها ونحملها المسؤولية بكاملها، مع أني ذكرت في البداية أنها قد تتحمل جزءا منها، خاصة فيما يتعلق بالتسرب والذي ذكره الكاتب، حيث كان اهتمامها بالكم أكثر من الكيف في تسجيل المتدربين سببا في التسرب، حيث يلتحق فيها من لايرغب في العمل التقني والمهني بعد تخرجه، وهو يؤثر بدوره أيضا على مايقدمه المدرب في الورشة والمعمل حينما يكون العدد كبيرا نصفهم غير متقبلين في الأصل لما هم فيه، ومهم أن تنظر المؤسسة للكيف في التدريب وتقلل من أعداد الملتحقين في وحداتها بحيث لايلتحق فيها إلا راغب فيها ولديه الحرص والقدرة على الاستمرار، وربما أن النظرة للكم ولَّد كثيرا من الإشكالات التي لاتخفى على منسوبي المؤسسة من حيث ارتفاع الأنصبة التدريبية وعدم وجود مدربين في بعض التخصصات وقيام البعض الآخر في التدريب في غير تخصصه في التخصصات النظرية، بل أن هذا الأمر تسبب في تشتيت أذهان العاملين في المجالس والكليات والمعاهد عن الاهتمام بالأهم وهو التدريب المتقن إلى محاولات سد الحجز وتغطية الأنصبة وغير ذلك..! والمهم مع هذا المقال وهذه النسبة المرتفعة أن توجد حلول لها، ولن تأتي الحلول قبل الوصول للأسباب التي أوجدت هذه النسبة، وكنت أتمنى أن تكون الدراسة التي أشار إليها الكاتب قدمت حلولا محددة، أو توسعت في دراستها بشكل أعمق بعيدا عن التوصية العامة والتي طالبت بأن تغير المؤسسة من خططها لتمنح المتدربين الفرصة للتدريب الأفضل، فالمشكلة كما أسلفت لاتتعلق بالمؤسسة وحدها، بل بجهات عدة وثقافة مجتمعية مع الأسف مازالت قاصرة في النظرة للعمل المهني والتقني..!