أستهل هذه المقالة مستشهدا بمقولة الكاتب الايرلندي الساخر اوسكار وايلد : "الصحة هي المظهر الاساسي للحياة". ورغم ان هذه المقولة ليست من مقولاته المفضلة لدي ، إلا انني معجب بكلماته الاخيرة التي لفظها عندما نظر الى ورق الحائط البشع على جدران غرفته التي كان يحتضر فيها في باريس وقال : "على احدنا ان يمضي من هذا العالم ". من المؤكد ان المسائل الصّحية تهمنا جميعا وهذا امر بديهي. ومن الواضح ايضا ان المرء لا يمكنه ان يفكر او يعمل او حتى يستمتع بصحبة الاهل والاصدقاء اذا اعتراه ألم مزعج او قلق بشأن مصير حياته في قابل الايام. قد يساعد المعتقد او الفلسفة في تحمل هذا الامر ولكننيّ لا أعتقد بأنّ هناك من يتعجل مغادرة هذا العالم الرائع الذي نعيش فيه. بدأت مشوار حياتي العملية في وزارة الصحة البريطانية في مبنى قديم في منطقة تسمى Elephant and Castle وهو اسم شهير لمنطقة ليست جميلة في لندن ، تيمنا باسم عالم البكتيريا الإسكتلنديّ الّذي اخترع البنسلين، السير أليكساندر فليمنج. شاركت في ادارة اعمال الهيئة الوطنية للخدمات الصحية NHS التي تأسست في أعقاب الحرب العالميّة الثّانية. وقد تغيرت الامور جذريا منذ ذك الحين لاسيما باستحداث طرق العلاج الجديدة وارتفاع التكاليف وتبدل مفهوم الاخطار الصحية ومفهوم الصحة بحد ذاته ، فلو عدنا الى الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي لوجدنا ان الناس ما كانت لتقلق كثيرا من مضار التدخين على الصحة كما هو حاصل الآن. وعلى الرغم من الارتفاع الكبير في متوسط العمر ، سواء في المملكة المتّحدة او في اماكن اخرى من العالم ، إلا ان هذا الارتفاع قد جلب معه مشكلات اضافية من نوع آخر مثل : تأمين دور الرعاية للعجزة وتحديد سن التقاعد المناسب وتوفير المعاشات التقاعدية ، وهي امور هامة واساسية تستأثر باهتمام كافة المجتمعات سواء في المملكة العربية السعودية او في المملكة المتحدة. والنبأ السّارّ الذي ازفه للقراء هو ان التعاون في القطاع الصّحي يعتبر امرا هاما جدا للشّراكة المتنامية بين بلدينا. في إبريل 2011 وقع كل من معالي وزير الصحة السعودي ، الدكتور عبد الله ربيعة ومعالي وزير الصّحّة البريطاني ، الدّكتور أندرو لانسلي ، على مذكرة تفاهم تلزم البلدين بتبادل الخبرات وتشجيع البحث والتدريب المشترك في مختلف القطاعات الطبية وتعزيز التّعاون الموجود اصلا. وقد أسفر عن هذا التعاون قيام بعثة طبية بريطانية بزيارة ناجحة الى المملكة العربية السعودية برئاسة اللّورد دارزي بصفته سفيرا للاعمال بالمملكة المتّحدة وجرّاحا بارزا ووزيرا سابقا للصّحّة. كما أسفرت الزّيارة عن تحديد آفاق جديدة للتعاون في المستقبل يجري العمل حاليا على بلورتها. وتأتي المقترحات الداعية الى تأسيس شّراكات مع المؤسّسات البريطانيّة البارزة : مثل مستشفى مورفيلدز للعيون وكلّيّة امبريال ومستشفى كينجز كوليدج. نعمل على زيادة فرص تدريب الاطباء السّعوديّين في لندن ، وقد دخلت كينجز كوليدج في شراكة لمدّة عشرة سنوات مع مدينة الملك فهد الطّبّيّة في الرّياض والدمام للمساعدة في تطوير تدريب الممرّضين. ويخطط البلدان للتّعاون على توفير الرّعاية الأوّليّة في المملكة العربية السعودية. في اوائل ديسمبر، زار وزير الدولة للشؤون الصحية ، السيد سايمون برنز ، المملكة العربيّة السّعوديّة برفقة وفد يضم ابرز الشخصيات بهدف دفع التعاون الثنائي والتحضير لزيارة بعثة بريطانية في مجال الرعاية الطبية وعقد ندوة في شهر مارس المقبل. وسينجم عن هذه الزيارة تشكيل لجنة فنية مع وزارة الصحة السعودية بهدف الاشراف على تنفيذ الشراكات المقترحة. تقف المملكة المتحدة جنبًا إلى جنب مع المملكة العربيّة السّعوديّة في سعيها ليس من اجل تحسين الخدمات الصّحّيّة فحسب ، بل من اجل وضع نظام جيد لحياة صّحيّة أفضل. بناء على ذلك ، من منكم يريد ان ينضم إليّ في جلسة العاب رياضية ، أو سباحة سريعة في الصباح الباكر أو نزهة بالدّرّاجة ؟ وهنا اود ان اسوق اليكم تعليق السيد تيري ووجان ، المذيع التلفزيوني الشهير الذي يقول : "صحيح أنني لا اؤدي التمارين الرياضية بالقدر الكافي ، إلا انني اود ان اسألكم من هو الحيوان الاكثر تعميرا في العالم ؟ والجواب هو السلحفاة العملاقة التي تعمر 120 عاما رغم انها بالكاد تتحرك ". أظن طبعا أن هذه المقولة ليست بالمثال النموذجي الذي يجب ان نحتذي به. * السفير البريطاني لدى المملكة