ارتبطت الأنظمة القمعية بالأداء المسرحي حين تمارس أعمالها السياسية والأمنية؛ هذه هي حال النظام السوري الذي استغلّ توقيعه على البروتوكول لتنويع وتشتيت الرؤية العربية والدولية للوضع في سورية، فمنذ أن وقّع النظام على البروتوكول قُتل أكثر من مائتي سوري، بل إن توقيعه يدل على أن النيّة المبيتة لتمديد الوقت وكسب الفرص من أجل ضرب المتظاهرين وإفناء أكبر عددٍ منهم. أكثر من أربعين قتيلاً في يوم الخميس ويوم"جمعة البروتوكول" قبل أمس. بدأت مسرحية الأداء السياسي والأمني مع إعلان النظام السوري تسلل عناصر من تنظيم القاعدة عبر لبنان بهدف تنفيذ أعمالٍ إرهابية، وأن التفجير الذي حدث في العاصمة السورية بموقعين أمنيين كان من تدبير تنظيم القاعدة، وبلغت المسرحية ذروتها حين قال النظام السوري إنّ "التحقيقات الأولية" تشير إلى توربط القاعدة، وكأنهم يعلمون شيئاً عن التحقيقات الأمنية أو العدالة الاجتماعية، لم يحققوا في مقتل "عماد مغنية" ولا في مقتل وزير الداخلية :"غازي كنعان" ولم يقبل النظام لجنة التحقيق في اغتيال رفيق الحريري، الآن فقط جاء "التحقيق". العراقيون يعلمون جيداً دعم النظام السوري للقاعدة منذ 2001 حتى إن نائب وزير الخارجية الأميركي السابق قال سنة 2003: "إننا لم نحصل على الدعم الكامل من الحكومة السورية فيما يتعلق بمشكلة القاعدة. لقد سمحوا لأفراد القاعدة بالدخول والاستيطان فعلياً في سورية بعلمهم وتأييدهم"، وأذكّر بمقال كتبه الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى "مايثو ليفيت" الذي جاء فيه:" إنّ الرعاية السورية للإرهاب تشمل الدعم النشط لحزب الله، وتقديم ملاذ آمن للقاعدة" ويشير إلى قادة مهمين في تنظيم القاعدة يسكنون سورية بعلم النظام السوري مثل "الملا فؤاد". الغريب أن وجود تنظيم القاعدة في سورية لا يقتصر على الوجود الشكلي، بل على صفقة متبادلة بينهم وبين النظام السوري، فهو أَمّنَ لهم سبل التدريب وسَهّل لهم الوصول إلى العراق، وطوال تواجد التنظيم على أرض سورية لم تطلق القاعدة رصاصةً واحدة في وجه الأمن السوري، حتى إن الخلايا التي مرّت على سورية وقبض عليها سواء في إيطاليا أو غيرها تتحدث عن "وصول آمن للمال" وهذا يدل على أن القاعدة ليست على عداءٍ مع النظام السوري، بل في تقاربٍ ربما يكون نتيجة صفقة. إدخال القاعدة في ملف الثورة السورية وبعد التوقيع على بروتوكول الجامعة العربية يدل على أن النظام يحاول ممارسة التشويش على الذين سيأتون لمشاهدة الوضع الجاري في سورية، بعد عشرة أشهر من بدء الثورة السورية تأتي المبادرة بكل جلبتها لتخلص إلى بروتوكول عادي، والوفد الذي سيزور سورية لن يرى إلا ما سيسمح له النظام برؤيته، ولا تَقلُّ المبادرة العراقية إخفاقاً عن المبادرة العربية والتي انتهت إلى بروتوكول يتيم، يسعى النظام العراقي بقيادة نوري المالكي إلى تنفيذ وصية إيرانية لغرض إنقاذ النظام السوري الذي تتساقط أطرافه يوماً بعد يوم، وإذا لم تفعل الجامعة العربية شيئاً ملموساً تجاه السوريين فإن الكارثة الإنسانية ستتضاعف، لن تكون للمبادرة العربية ولا العراقية فعالية من دون إجراءات ضد النظام السوري لكسر نرجسيته وإيقاف مجازره. النظام السوري يعيش الآن قصة الصراع مع الانهيار، وهو من أجل البقاء لديه الاستعداد لتسليم قدراته الاقتصادية الحيوية للروس لحمايته من قرارات مجلس الأمن، وحتى يستمر في البقاء يخترع قصصاً عجيبة لا يصدقها العقل، حيث يُحمّل تنظيم القاعدة الذي كان هادئاً منذ عقدٍ كامل بتفجيرين بدمشق، وذلك وفق "تحقيقات أولية". الوضع السوري حالياً كشف عن لعبة إيرانية قديمة كان النظام السوري شريكاً فيها، وكذلك نوري المالكي أيضاً، ويمكن وصف المشهد بالأسئلة التالية: العراق يعلم أن المقاتلين معظمهم يأتون من سورية، وإيران تعلم ذلك، لماذا إذاً يدافع نوري المالكي وأنصاره عن بقاء نظام الأسد الآن؟ هل أنّ قوة المالكي في العراق مرتبطة بالفوضى التي تأتي من مقاتلين يأتون من سورية، ومن مراكز تدريب في سورية؟! ربما حملت الأسئلة الماضية أجوبة دالّة. استخدم النظام السوري القاعدة في السلم، وهو يستخدمها الآن في الحرب، يستخدمها إعلامياً، وإلّا يمكنه إن كانت القاعدة متورطة أن يقبض على القياديين من التنظيم بسورية والذين يعلم جيداً أماكن تواجدهم ومقار تدريبهم. بعد كلّ هذه الفصول المسرحية التي يقدمها النظام السوري، ماذا ستفعل الجامعة، وهل سيكون البروتوكول فرصة لموت السوريين وحياة النظام؟! هل هو بروتوكول الحياة؟ أم بروتوكول الموت؟!