البديوي يشارك في مداولات لجنة السياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي    السعودية للشحن: شحنات التمور ارتفعت 64 % وننقلها إلى أكثر من 45 وجهة عالمية    ارتفاع عدد الشهداء في غزة إلى 419 شهيدًا والجرحى إلى 528    إعادة تشكيل لجنة الإفلاس وضم 4 جهات للجنة مكافحة التبغ    ‏سمو ولي العهد‬⁩ يرأس جلسة مجلس الوزراء‬⁩    الذهب يواصل الصعود مسجلًا ذروة أسبوعية جديدة    تجهيز كنو لمواجهة السعودية والصين    سمو ولي العهد يُطلِق خريطة "العمارة السعودية" لتعزيز الهوية العمرانية في المملكة    مشروع الأمير محمد بن سلمان يعيد ترميم "سديرة" و"الزرقاء" في شقراء وثرمداء    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى 11792.40 نقطة    السعودية تدين وتستنكر بأشد العبارات استنئاف قوات الاحتلال الإسرائيلية العدوان على غزة    ديوانية غرفة تبوك الرمضانية بوابة لتعزيز الشراكات وترسيخ لثقافة المسؤولية الاجتماعية    بسطة خير" توفر بيئة عمل منظمة ل 60 بائعًا متجولًا في حفر الباطن    أسواق النفط تترقب تدفق المزيد من الإمدادات برغم مخاوف ضعف الطلب    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل الأيتام واليتيمات بمناسبة يوم اليتيم العربي    محافظ عنيزة رعى ليلة مراسم الرمضانية    الخارجية الفلسطينية تُطالب المجتمع الدولي بوقف فوري للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة    القادسية والنصر في نهائي بطولة الصالات الرمضانية    تعليم مكة يكرم 100 طالب وطالبة بجائزة منافس للعام 2024    زلزال بقوة 5.1 درجة يضرب جنوبي الأرجنتين    استمرار هطول الأمطار الرعدية وزخات البرد على عدة مناطق في المملكة    حجز 5 شاحنات أجنبية مخالفة تمارس نقل البضائع داخل مدن المملكة دون ترخيص    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس الاجتماع السنوي ال 32 لأصحاب السمو أمراء المناطق    قطاع ومستشفى النماص يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي لمكافحة السمنة"    مستشفى إرادة والصحة النفسية يُنظّم فعالية "التوعية باضطراب الأكل"    مستشفى خميس مشيط العام يُنفّذ فعالية "الشهر العالمي للتغذية"    "الثلاثي السعودي آسيوياً وفرق الشرق"    الاتحاد السعودي للهجن يختتم دورة تدريبية لمنسوبيه    تأهيل الرعاية الصحية بالقطاع.. عبد العاطي: مصر والأردن تدربان الشرطة الفلسطينية لنشرها بغزة    تأمينا لخطوط الملاحة البحرية وحركة التجارة العالمية.. أمريكا تواصل ضرباتها لإفقاد الحوثيين القدرة على استهداف السفن    الأردن يدعو مواطني ومقيمي دول مجلس التعاون الخليجي لاكتشاف روائع المواقع التراثية المصنّفة ضمن قائمة اليونسكو    "هدية" تخدم مليوني مستفيد في النصف الأول من رمضان    الحج لضيوف الرحمن: تجنبوا تحويل الأموال إلى جهات مجهولة    المدينة: 62 ألف غرفة ضيافة مرخصة    وسط تحسن العلاقات والتواصل بين ترامب وبوتين.. الضمانات الأمنية حجر الزاوية لإنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية    جهاز داخل الرحم (2)    عبدالعزيز بن سعود يرأس الاجتماع السنوي ال 32 لأصحاب السمو أمراء المناطق    لن يكون الإسلام صحيحا حتى يكون نظيفا    الشهري مدرباً للاتفاق حتى 2027    من شارع الأعشى إلى بوسطن الأمريكية    الشيخ سعد بن مريع أبودبيل يتبرع لجمعية آباء لرعاية الأيتام بمحافظة أحد رفيدة    تكفينا جنة الأعرابي    78 مليونا لمستفيدي صندوق النفقة    5 أحياء تستقطب زوار جدة والإيجار اليومي نار    8 خدمات نوعية للقطاع الوقفي    مسجد "عِتبان بن مالك الأنصاري" مَعْلمٌ تاريخي يرتبط بالسيرة النبوية في المدينة المنورة    هدف لاعب الرياض "إبراهيم بايش" في شباك الاتحاد الأجمل في "جولة العلم"    الموهبة رائد عسيري: الصدفة قادتني إلى النجومية    أمسية شعرية ضمن أهلا رمضان    العتودي مساعدًا لرئيس بلدية بيش    تتبع وإعادة تدوير لوقف هدر الأدوية    صقور نجد يتوج بكأس بطولة الوسطى للهوكي ويحصد الميداليات الذهبية    العلم الذي لا يُنَكّس    وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأفواج الأمنية يتفقّد قوات الأفواج بمنطقة نجران    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكرى ولادة طه حسين «العميد» في مرآة النقد
نشر في الرياض يوم 19 - 12 - 2011

من الظلم أن يهمل الباحث المعاصر اليوم فضائل كثيرة في الشخصية الأدبية والفكرية للدكتور طه حسين الذي يحتفل المصريون في هذه الأيام بذكرى ولادته. فقد أضاء «العميد» تاريخ صدر الإسلام بنظرات نافذة لامعة وسوانح وضاءة لا تغني عنها معطيات الوثائق ولا السرد الذي يقتصر على ما تضمنته المستندات. وهو الذي أدخل منهج النقد التاريخي في دراسة الأدب الجاهلي. وهو الذي كتب ترجمة ذاتية طالما أشاد بها الباحثون من حيث دقة التحليل وصدق التعبير وروعة التصوير. وهو الذي سعى إلى نشر التراث الكلاسيكي واليوناني منه بوجه خاص بين أبناء العربية حتى ينشأ عن ذلك إخصاب فكري جديد للعقل العربي إيذاناً ببعث روحي جديد.
وقبل هذا كله كان طه حسين هو الناقد الذي استطاع أن يرسم للأدب العربي طريقه الصحيح، وأن يوجه الأدب والنقد في الاتجاه الأصيل الخصب الذي من شأنه أن يدفع الإنتاج الأدبي العربي في صدر الركب العالمي وأن يرفعه إلى المستوى الإنساني.
لهذا كله نُعت طه حسين بأنه «الموقظ الأكبر للعقل العربي». وفي عرف هؤلاء يعتبر طه حسين أهم رمر من رموز الثقافة العربية المعاصرة بما ينم عنه إنتاجه من الصورة المثلى لرجل الفكر، الصورة التي تتضافر على رسم خطوطها مقومات تضمن الخلود وتبقي الأثر متداولاً!
إنها صورة الثقافة الواسعة الأرجاء القائمة على سعة في الاطلاع أصبحت نادرة في عصرنا، معرفة شاملة وعميقة للتراث العربي الإسلامي وتحكم عجيب باللغة العربية وتضلع في أهم ما أنتجه الفكر البشري من آثار رائعة وممارسة للغات هذه الآثار.
كما هي صورة العزيمة الصلبة التي لا تثبطها المحن والعقبات. فلا الإعاقة تثنيها، ولا العداوات والمناورات تمنع صاحبها من شق طريقه إلى الأهداف التي صمم على تحقيقها، ولا الشعور بالوحدة وتألب القوم عليه بصده عما آمن به وعن العمل على تحقيقه.
تلك هي الصورة الشائعة لطه حسين لدى قطاعات واسعة من المثقفين. ولكنها مجرد قراءة من مجموعة قراءات «للعميد» أكثرها سلبي ينفي عنه الكثير مما شاع عن عبقريته وكفاءته وفضله. وقد استهدف هؤلاء في جملة ما استهدفوا، أسلوبه الذي راق للكثيرين ممن وجدوا فيه طرافة في التعبير الذي يقرب بواسطته المعرفة من عامة القراء.
ولكن هذا الأسلوب نفسه لم يرق لخصومه الذين سخروا منه وشوهوه في عديد المناسبات ولم يقرّوا له بالابتكار والتميز. فالرافعي مثلاً يرى فيه تكراراً وركاكة ومضغا للكلام، إذ يقول عنه: «كان أول من استعمل الركاكة في أسلوب التكرار كأنه يمضغ الكلام مضغاً، فنزل به إلى أحطّ منازله، وابتلى العربية منه بالمكروه الذي لا صبر فيه، والمرض الذي لا علاج منه، فصار ذلك طبعاً بالإدمان عليه، فلا يأتي بالجملة الواحدة إلا انتزع منها الانتزاعات المختلفة، ودار بها أو دارت به تعسفاً وضعفاً وإخلالاً بشروط الفصاحة وقوانين العربية. والآفة الكبرى أنه كان يحتسب ذلك إبداعاً منه في الأسلوب، وإحكاماً في السبك وطريقة بين المنطق والبلاغة».
أما المازني فرأى في أسلوبه حشواً وفسره بفقدان البصر وبمهنة التعليم. ورأي فتحي غانم أن لغته لا تقطع في شيء أبداً، بل هي مرنة للف والمداورة. وشبّه إبراهيم المصري أسلوبه بنقيق الضفادع.
وكان طه حسين قد قام ببعض المحاولات الشعرية ولم يدّع قط أنه شاعر كبير. ومع ذلك فخصومه يشهرون به. وقد رأى أحد هؤلاء شبهاً بين شعره وذاته «في الجفاء والغلظة والاضطراب والتخرق». وبذلك فلا يحق له أن يتحدث في الشعر. ذلك أن طبعه ضعيف لم تحكمه صناعة الشعر، ولا راضته مذاهب الخيال، ولا عهد له بأسرار الإلهام التي صار بها الشاعر شاعراً، ونبغ الكاتب كاتباً» وهناك من عاب عليه طريقته في الإلقاء مثل الشيخ علي الطنطاوي في مجلة «المسلمون» إثر محاضرة قدمها طه في دمشق سنة 1955في موضوع «بعض خصائص الشعر العربي القديم في سوريا» فلم يوافق رئيس الجامعة السورية في نعت طه حسين «بسراج البيان وضياء البلاغة»، فعلق على كل ذلك بقوله: «وما لقيت أحداً ممن سمع المحاضرة إلا أنه خُدع بهذه الدعاية، وأن المحاضرة تافهة الموضوع، فارغة من المعاني، وأن إلقاء المحاضرة على جودته إلقاء نمطي بلهجة واحدة، ونغمة مستمرة، ولا يظهر عليه أثر الحياة، ولا تتبدّل رنّته في استفهام ولا تقرير، ولا مفاجأة ولا تعجب، وأن محطاته كلها واحدة تنتهي بشدة على الحرف منكرة، وقلقلة في غير موضوع القلقلة». وقدم المازني تعدد اهتمامات طه حسين وتعدد إركان شخصيته في صورة كاريكاتورية مشوهة في لهجة ساخرة انطلق فيها من شك طه حسين في سيرة مجنون ليلى ومن تساؤله للعقاد عن نتائج تطبيق منهج الشك هذا على طه حسين نفسه في مستقبل الدهر!
يتخيل المازني باحثاً يقرأ كل ما نسب إلى طه حسين أنه لا يمكن أن يكتبه شخص واحد. فلا بد أنه يوجد شيخ ضرير يكتب في الأدب، وأفندي مبصر يقدم اقتراحات لاصلاح الخط العربي، ودكتور يدرس الشعر الجاهلي وشعر أبي العلاء المعري، وكلهم يحملون نفس الاسم. ثم يضيف المازني: «ويظهر أن هناك أكثر من دكتور طه حسين واحد. ففي بعض المقالات المعزوة إلى المسمى «الدكتور طه حسين» تنويه بأن كاتبها كفيف، وفي البعض الآخر ما يفيد أنه مبصر. فهو يقول: «قرأت» و«رأيت» و«شهدت» وما إلي ذلك من الأفاظ الدالة على الرؤية. ويضيف لك بعض المشاهد لا تخيلاً بل كما هي كائنة. ثم يشير إلى جمعه بين الصحافة والتدريس في الجامعة، وبين الأسماء الافرنجية والأسماء العربية عند ابنه وبنته. إلى غير ذلك من التناقضات التي يقصد من إبرازها تشويه صورة الكاتب. إن تركيب صورة لطه حسين كما ظهرت في مرآة خصومه قد رسم وجهاً بشعاً تجمعت فيه كل العيون الأخلاقية والنفسية وكل المساوئ التي تشوه سمعة الأديب والعالم. أظهروه بمظهر الساعي إلى المال، قليل الاطلاع، يسطو على علم غيره، ويضلل قراءه بمعارف مزيفة. ينساق إلى أهوائه فتختلط عليه سبل الحق. يروج آراءه في أسلوب رديء، ويعبر عن أحاسيسه في شعر رديء خال من الإلهام والخيال. صنيعة المستشرقين، داعياً إلى التغريب، عميلاً للاستعمار والصهيونية والمخابرات الأميركية والشيوعية.. يخدم حركة التبشير ويساعدها على تقويض أركان الإسلام، زنديقاً يحب شعراء المجون ويعرّف بهم، متهوراً عنيداً لا يتزحزح عن موقفه مهما ظهر باطله، يشاكس الناس ويتنكر لجميع أصحابه، سريع الغضب.. ولكن طه حسين أثبت أنه لا يتشبت بآرائه بل كثيراً ما عدلها أو تراجع عنها. من ذلك أنه دعا في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر» إلى أن نسير سير الغربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب».. وبعد صدور هذا الكتاب وملاحظته الحملة الواسعة التي أثارها ضده هذا الرأي علق لاحقاً بقوله: «الذوق العام يختلف باختلاف البيئات. فهناك أشياء يقبلها الذوق العام الأوروبي وينبو عنها الذوق العام المصري، وليس على مصر في ذلك بأس. فليس من الضروري أن نشبه الأوروبيين في كل شيء ولا أن نقلدهم في كل شيء»!
هذه نماذج من آراء طه حسين ومن آراء خصومه في آن، ثمة قراءات كثيرة متصادمة متناقضة له، وفي كل منها ما يفيد في قراءة مستقبلية له تتوخى الحقيقة والنزاهة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.