هذه رواية ناجحة.. وهذه روائية ناجحة جدا.. وبين الرواية والروائية عالم فائض بأسئلته الحارقة، لا يستحق اكثر من خلود ما في لجة الكتابة وسحرها الإنساني المغامر في منتهى الموهبة، حين تصير الموهبة، هي السؤال، وهي الإجابة، وهي المحرض على الآتي من الأسئلة والإجابات في علاقة مشتبكة مع كل ما نؤمن به من قيم، وما نتوارى وراءه من ضرورات، وما نمنح وجودنا تحت وطأته المستمرة من شرعية في الغياب المفترض لكينونتنا المفترضة. تشتبك بثينة العيسى في هذه الرواية، إذن، مع العالم بأكمله عبر لغة مفرطة في رهافتها إلى حد أن تكون أغنية موزعة في معمار موسيقي يتراكم تدريجيا ما بين المتن الذي صار هامشا، والهامش الذي صار متنا، فتفيض العذوبة ذهولا وبكاء، ولكنها قاسية أيضا إلى حد الوجع المقيم في تلافيف الروح منذ أزمان سحيقة لا بد أن بثينة عاشتها بتفاصيلها الدقيقة قبل أن تصير تاريخا مشاعا بين نساء الكرة الأرضية وهوية سرية لرجالها. هنا إذن امرأة باهية تكتشف بداياتها مرسومة على هامش من نسغ الكون بكل تجلياته، و روائية عريقة الخبرة بحرفتها رغم أنها لم تغادر بعد الثانية والعشرين من عمرها ( لا ادري بالضبط ما العلاقة المفترضة بين حجم الموهبة وعمر الموهوب ؟!!) وهي بهذه الخبرة تحاول ان تعيد صياغة العالم كله وفقا لما ترتب لديها من علائق جديدة بين الكائنات في معنى الكتابة وتاريخها أيضا، وهي تنجح كثيرا في تلك المهمة ليس لأنها تملك أدواتها، كما يقول النقاد، وحسب، ولكن لأنها تجيد اكتشاف الحياة عبر اكتشافها لذاتها الذاهبة إلى منتهى الشغف الروائي بجلد كتابي واثق من تفاصيل سيره وصيرورته، وحيل أنثوية موروثة في سبيل رسم نهاية للبقاء خلودا في الدهشة وما تؤدي إليه. «سعار» نص روائي لا يريد أن يكتمل، لأنه نص مفتوح على أسئلة تدور في فضاء من القلق الوجودي الفادح في سوداويته، ولكن الفاضح في تعريته لكل ما نحاول ان نخبئه تحت ركام من الإرث الإنساني النفسي. ورغم أن «سعار» هو النص الروائي الثاني لكاتبته بعد نصها الأول، الجميل و المدهش بدوره، «ارتطام لم يسمع له دوي» (٭٭) إلا أنني، وقد كنت على تواصل مع الكاتبة وهي تكتبهما واحدا بعد الآخر، وقرأتهما، بعد ذلك، مخطوطين، أرى أنها في «سعار» بالذات تضع سؤالها الروائي الأول بحكمة مكتسبة وذكاء فطري..وموهبة تتألق بينهما اطرادا، عبر أحداث تتنامى في أجواء خالية من الحدث التقليدي.وهي تسجل كل ذلك برصانة لغوية رغم السخرية السوداء التي نادرا ما تلجأ إليها الروائيات في ثقافة الرواية العربية الراهنة، مما اكسب هذا النص اضافة لصالح المتعة في القراءة واللذة في تتابعها. هذه ليست مقدمة، ولكنها إشارة إلى هذه الرواية الناجحة.. وهذه الروائية الناجحة جدا. (٭).. ولكنها نشرت كمقدمة لرواية الكاتبة الكويتية الشابة بثينة العيسى «سعار» والتي صدرت مؤخرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. (٭٭) رواية للكاتبة لم تصدر بعد..