كثيراً ما يتردد على مسامعنا كلمة مصلحة وجمعها مصالح، فمن منا لايعمل ليحصل على مصلحة ما لتعينه علي مواصلة تحيق أهدافه المنشودة في هذه الحياة، والأمر نفسه مسحوب على كل مجموعة من البشر تجدهم يجدون ويجتهدون في تحقيق مصلحة أو مصالح لهم من خلال قول يقولونه أو من خلال فكرة يدافعون عنها ويسعون لتحقيقها أو من خلال عمل يبذلون فيه الجهد لتحقيق تلك المصالح، ويمكن أن تتسع حلقات هذا العمل الجاد إن تحقق له التنظيم والتنسيق ليكون بشكل أشمل وأعم يغطي بمفهومه وحدات قياس كبيرة للبشر وأعني بذلك منظومة الشعوب والدول منذ أن تكونت الأطر البدائية التي أسست وحفظت نسق الترابط بين المجموعات البشرية على مر العصور وحتى الآن. إن معنى كلمة المصلحة مرادف لمعني الكسب أو الفائده المنتظرة من أي مسعى سواء كان فردياً أو جماعيا الدافع، ويمكن تحقيق المصلحة بعدة وسائل منها الوسائل السلمية أو الوسائل العسكرية حيث تتبع أي من الطريقتين حسب الحاجة والظروف، وفي زماننا المعاصر كما في العصور السالفة نجد أن كثيراً من الدول المدركة لما تريده من الآخرين نجدها تضع مصالحها على أولويات علاقاتها الدولية فنجد أن مؤشر حركتها يقودها لهدف محدد مختزل بصيغة هذا السؤال.. ما المصلحة من ..؟ ولها أن تملأ الفراغ بأي كلمة أوجملة تقودها لتحقيق معنى المصلحة الوطنية المنشودة. إن مسؤولية إطالة أمد بقاء الشعوب على أحسن حال من الرقي والتقدم والسلام موكل إلى ساستها المسؤولين عن تحريك وتوجيه قيادات مراكز صنع القرار بحكومات أولئك الساسة، فكلما كان سعي أولئك الساسة جاد ومخلص في تحريكهم لتلك القيادات كلمااقتربت حكومتهم من نيل مصالحها المشروعة والعادلة ليتحقق لها أمنها واستقرارها ورفاه شعوبها، ولاستخلاص هذا الهدف يتحتم على الساسة المعنيين أن يتخذوا من أسلوب المناورة والكر والفر منهجا ووسيلة (إن هم اضطروالها ولايتحرجون من اتباعة) في للعبة صراع المصالح الدولية ليحققوا عبر هذه الوسيلة المصلحة الوطنية لشعوبهم كلما أمكن لذلك سبيلا، وذلك عند رسم سياسات حكوماتهم، مع كافة الدول والمنظمات الدولية المرتبطة بهم ذات الأغراض والنشاطات المختلفة، وعلى هذه القيادات الواقعة تحت إشرافها مع تغيير شخوص تلك القيادات من حين لآخر إما لاختلاف خصائص تلك الشخوص أو لاختلاف إمكاناتها التفاوضية أو لتآكل كفاءتها وهبوط حيويتها مع مرور السنين، وعليها أن تبعد عن تلك المراكز رموز السكينة والجمود، ولنا في أسلوب المناورة والكر والفر الذي يتبعه العدو الإسرائيلي مع مايعتمده من مبدئ تغيير الوجوه كلما اقترب وقت تنفيذ الوعود التي يقطعها على نفسه أمام الفلسطينيين والعالم أجمع مثالاً حياً شاخصاً أمام أنظارنا، حيث نجدهم يبحثون في المتغيرات السياسية من حولها من حين لآخر مستغلين ذلك التغيير لترتيب أولوياتهم من جديد أو انهم في النهاية يلجئون إلى افتعال أزمات حكومية بالداخل لتتلوها انتخابات برلمانية تأتي بحكومة جديدة منهم ذات مفهوم واستراتيجية مختلفتين عن سابقتها ليتمكنوا بذلك من تعليق أمور يرون أنها تضر بمصالحهم وبذلك يستطيعون بسلوك هذا الطريق التخلص من الضغوط الدولية الواقعة عليهم مع الفكاك من التزاماتهم والمضي قدماً في تحقيق أهدافهم في إغتصاب مزيد من الأراضي أو إطالة أمد احتلالهم لأراضى دول عربية أخرى من حولهم مع أخذهم وفي نفس الوقت بأسباب القوة العسكرية وتطويرها من حين لآخر، في حين أن الدول العربية كافة وبالأخص المحيطة بإسرائيل قد جنحت للسلام من جانبها فقط وأهملت تدعيم قوتها العسكرية، هذا الأسلوب نجده ممارس على أرض المعايشة اليومية ويتكرر في سرد نشرات الأخبار المذاعة وعلى صفحات الصحف يومياً، والأمر كما ذكرت يعتبر أسلوبا من أساليب كسب المصالح الوطنية الذي يتبعه العدو الإسرئيلي في تحريك عجلته السياسية للأمام مع مقدرته الفائقة على تحريك رموزه العسكرية كلما أحتاج لذلك نظراً لمحافظته الدائمة على جاهزيتها بوضع فاعل. هناك أسلوب من أساليب استخلاص المصالح قد مر علينا مؤخراً عايشناه طيلة الأيام الماضية من خلال متابعتنا لنشرات الأخبار التي تناولت موضوع الإشكالية التي حصلت بين الصين واليابان وذلك عندما طلبت الصين من اليابان أن تعتذر لها عما بدر من قواتها العسكرية تجاه الشعب الصيني إبان الاحتلال الياباني للصين في الماضي القريب، كما طلبت من اليابان أن تجري تعديلات في المناهج التي تدرس للطلاب بالمدارس الياباية حول نفس الموضوع، وبعد أن رفضت الحكومة اليابانية الاعتذار والخضوع للمطالب الصينية سلكت الصين طريقاابتعد قليلا عن النهج الدبلوماسي المباشر مع ابتعادها في نفس الوقت عن الفعل العسكري أيضا، حيث اعتمدت لتحقيق مصلحتها الوطنية على طريقة أخرى وأسلوب جديد تمثل بركونها إلى شبابها للوقوف أمام سفارة اليابان في بكين مطالبين الحكومة اليابانية وبإلحاح شديد أن تغير موقفها نحو ذلك الاعتذار المطلوب منها وتنفيذ كافة مطالب حكومتهم كما رفع أولئك الشباب مطالبهم لمواطنيهم بمقاطعة البضائع اليابانيه إن اليابان أصرت على موقفها الرافض لذلك الاعتذار، ومع استمرار الضغط الشبابي في هذا الاتجاه أذعنت اليابان أخيراً للمطلب الصيني حيث قام رئيس وزراء اليابان الحالي ونزولاً عند رغبة الحكومة الصينية بالاعتذار الرسمي أمام اجتماع رؤساء دول آسيا العشر المشكلة لمنظومة الآسيان المنعقد بجا كرتا مؤخراً حيث اعتذر نيابة عن الحكومة اليابانية عن كل ما بدر من قواتها وما اقترفت تلك القوات من مآس أضرت بقطاعات من الشعب الصيني وقت احتلالها للصين وتعهد أيضا بتغيير المناهج المدرسية عندهم حسبما طلبته الصين، فنالت الصين بذلك الاعتذار والتعهد كل ماتريده من اليابان دون أن تلجأ إلى محفل دولي أو أن تلجأ إلى عمل عسكري، مما يدلل على أن الحكومات لديها أكثر من وسيله تمكنها من تحقيق مصالحها المشروعة إن هي مدت جسور الثقة وفتحت قنوات الحوار بينها وبين شعوبها حتى تتغلب على مايجابهها من صعاب من خلال إيجادها لتوليفه متناغمة بينها وبين أفراد الشعب تدفع الشعب من خلال هذه التوليفة ليتصدي معها للمعوقات سواء الداخلية أو الخارجية التي تعيق سير عملية نيل مصالحها المشتركة معه بيسر وسهوله. منذ أيام قليله تسربت أخبار عبر وكالات الأنباء العالمية تفيد بأن الخارجية الأمريكية تفكر بشكل جاد بفتح قنوات اتصال وحوار مع جماعات عربية اسلامة كانت في السابق تصفها بالتطرف ولقد ناصبتها العداء منذ أمدد بعيد، وهذه الخوة تعتبر غير مسبوقة من قبل ولها مدلولات سياسية ونتائج خطيرة جدا يجب التنبه لها والأعداد الجيد والمحكم لمواجهتها وهذا الأمر بطبيعة الحال قد يدفع الغيورين على مستقبل المنطقة إلى رفع علامات التعجب وعلامات الاستفهام معاً وفي آن واحد واحد وهم يرددون سؤالاً كبيراً مفاده.. متى تقوم حكوماتنا العربية بالركون إلى شعوبها والاطمئنان لها لتتمكن من مدجسور الثقة المتبادلة بينهما وفتح قنوات الحوار الصريح الهادف والبناء معها وإغلاق أبواب التصدي والمواجهة ضدها لتكسب تلك الشعوب لجانبها قبل فوات الأوان وحتى تتمكن حكوماتنا العربية من توظيف طاقات شعوبها تلك لتصنع منها أداة عون مهابة الجانب تنتزع بها المصالح الوطنية لها ولشعوبها من أيدي غاصبيها ولكي يمكنها ذلك من تفويت الفرصة على المتربصين بمنطقتنا العربية وحتى تتمكن كذلك من تقويت جانبها التفاوضي مع الآخرين وبنفس الوقت تستطيع رفع الضغوط المسلطة عليها من الخارج والمفروضة عليها بفعل قوى الهيمنة الدولية وذلك من خلال استثمارها للمواقف الإيجابية لشعوبها التي تعتبر مصدر القوه الكامنة لها وبالتالي تتمكن تلك الحكومات من تحقيق الأستفاده القصوى من فعل وردات فعل شعوبها تجاه مايعترضهامن أحداث مصيرية تحاول فرض أدوات التغير على قيم ومبادئ ومفاهيم تمس منظومة منطقتنا العربية شعوبأ وحكاما.. الوقت والأحداث في سباق والمسوؤلية مشتركة والتعاون بين الجميع من حكام ومحكومين مطلوب وبشكل أكيد للفوز بمصالحنا الوطنية في للعبة صراع المصالح.