غياب المنطق ، وسبات العقل ، وبؤس الفكر عند البعض عوامل تتضافر بشراستها لتمسخ الكائن البشري وتحوّله إلى مُنتَج بلادة وحماقة، كما تقود في مجملها إلى إطلاق أحكام مبكية مضحكة ، محزنة إلى حد الوجع ، ومبكية إلى درجة الانهيار ، ومضحكة إلى حال الشفقة على صاحبها ، فالعقل إذا غُيب ، وصودر ، ودخل في كهوف حالكة لها صمت القبور، حينذاك يكون في بُعد كامل وتام عن التفكير ، والتحليل ، والاستنتاج ، والاجتهاد ، وقراءة التحولات ، والمستجدات في أنماط الحياة ، ومضامين العيش ، والقدرة على تأويل ، وفهم النصوص بصورة عقلانية ، ومنهجية ، دون تفريغها من سياقاتها الزمكانية ، وظروف دلالاتها ومعالجاتها وأحكامها ، ومقاربة الأحداث ، والتغيرات في سلوك المجتمعات ، وثقافاتها ، ومتغيرات مفاهيمها في التعامل مع الموروث الثقافي الشعبي من عادات ، وتقاليد وهي تراكم أعراف سادت حياة المجتمع في حقبة تاريخية وفكرية ، وبذل الجهد والمحاولة لتآخي الجيد منها مع منتج فكر الحداثة بمفهومها الشامل ، وما تفرضه حقائق الواقع الحياتي ، وتشابك الثقافات ، ومؤثرات العيش ، وانخراط العالم في وعي أممي تتجه مياه ينابيعه إلى مجرى خدمة الإنسان ، نتيجة لتقارب المفاهيم كترجمة لتحول العالم إلى قرية صغيرة جداً . سبات العقل ، واستقالته من العمل والتفكير يورطان صاحبه في إطلاق أحكام ، وأفكار هشة متآكلة لاتقدر على الصمود في وجه حقائق العصر ، وأدوات الحياة الحديثة ، وما يسود الفضاء الأممي من منتج المعرفة ، والثقافة ، والتنوير ، كما أن هذا السبات العقلي وبالتالي الأحكام ، والآراء التي يطلقها تفضح الأدوات البائسة ، والفهم المسكين ، وتدل على أن صاحبها محصور في دائرة ضيقة جداً من المعرفة الهلامية ، ولم يبذل محاولات جادة في قراءة العصر ، ومواكبة المتغيرات ، وفهم ما هو جوهريّ ثابت لايتغير ولايتحول إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وما هو قابل للاجتهاد ، والقياس ، والمناقشة ، والتماهي مع الحداثة والمعاصرة . مثلاً .. مثلاً ، وننقل المثال على بؤسه ، ووجعه . ذكر موقع للقناة البريطانية BBC أن تقريراً تقدم به أكاديمي سعودي إلى مجلس الشورى يقول فيه إن السماح للنساء بقيادة السيارات سيعني " نهاية العفة والعذرية " في البلاد . وأضاف موقع القناة البريطانية بأن الأكاديمي كمال محمد صبحي حذّر من أن ذلك السماح " سيزيد من البغاء ، والأفلام الإباحية ، والمثلية الجنسية ، والطلاق " (!!!) ، أما صحيفة " ديلي ميل " البريطانية فذكرت أن الأكاديمي السعودي توقع أنه في غضون عشر سنوات بعد السماح " لن يكون هناك عذارى في المملكة " و" أن هذا التراجع الأخلاقي ملحوظ بالفعل في دول الخليج العربي الأخرى حيث يسمح للنساء بقيادة السيارة ". في البداية قلت إن هذا افتراء على الرجل ، ولايمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هذا فكر يصدر من شخص يتمتع بالعقلانية والمنهجية والتأهيل الأكاديمي ، ويفترض فيه التوازن في الآراء ، وحفظ كرامات الناس ، ونساء الوطن ، وإحسان الظن بهن كحرائر ساهمن في صناعة نهضة الوطن منذ فجر تاريخه ، لولا أن محاولتي في ترسيخ القناعة في داخلي فشلت - وهذا مؤسف - عندما بحثت عن تاريخ فكر الرجل ، وقرأت له بعض المقالات الغريبة ، وكتابه المتشنج المفتوح إلى سمو وزير التربية والتعليم . علينا أن نتقي الله في بنات الوطن ، فكثير منهن عقلُ الواحدة يعادل عقل ألف رجل من البائسين في فكرهم..