تعقيباً على مقال الدكتور محمد بن عبدالله الخازم المعنون بأسئلة في تشغيل المستشفيات، المنشور بتاريخ 9/4/1426ه، أود في البداية أن أشيد بما يطرحه الدكتور الخازم من قضايا صحية حيوية فيما له علاقة بالتنظيم والإدارة الصحية، وأجيب على بعض الأسئلة المطروحة في المقال، من واقع خبرتي الممتدة لسنوات طويلة في المجال الصحي. السؤال الأول: أيهما أنجح لتشغيل وإدارة المستشفيات: الإدارة عن طريق الشركات أو عن طريق التشغيل الذاتي أو التشغيل الحكومي التقليدي - كأي قطاع حكومي آخر؟ الجواب: الأصل أن الإدارة عن طريق الشركات - في العالم أجمع - تطلب عندما تفشل الإدارة الحكومية المباشرة في إدارة مرفق ما بسبب الثقل البيروقراطي أو ارتفاع التكلفة أو ضعف كفاءة الأداء، أو أن تكون هناك جدوى اقتصادية من ذلك. أما عندنا فلم تكن الجدوى الاقتصادية هي المحرك للبحث عن الشركات بل عدم قدرة الجهات الحكومية الصحية على إدارة بعض مرافقها الجديدة لعدم توفر الخبرة الإدارية ولعدم توفر الوظائف الملائمة والكافية ولعدم توفر القوى العاملة المؤهلة تأهيلاً عالياً، والتي لم تكن الرواتب الحكومية مجزية بما فيه الكفاية لاستقطابها. لذلك كانت إدارة الشركات بمثابة شق قناة جديدة لتصريف العمل بشكل جيد في المرافق الكبرى الجديدة (مثال ذلك: مستشفى الملك فيصل التخصصي (1395ه) ومستشفى الملك خالد التخصصي للعيون (1404ه) ومستشفيات جازان، جدة والهفوف (حوالي عام 1401ه) وكان الثمن باهظاً، فالعقود كانت شخصية. ثم تواترت عمليات التعاقد مع الشركات ودخل فيها الحرس الوطني والأمن العام وبرنامج الرياض - الخرج التابع للقوات المسلحة، وتدريجياً تحولت عمليات التعاقد مع الشركات إلى مجرد توظيف قوى عاملة يفوز بعقودها صاحب العرض الأرخص (وهذا ينطبق على عقود الصيانة والنظافة والتغذية). فاللجوء إلى الإدارة والتشغيل بواسطة الشركات كان مخرجاً من أزمة التشغيل الحكومي التقليدي التي كانت وراءها عدم توفر الخبرة الإدارية والفنية وعدم توفر الوظائف الملائمة كماً وكيفاً. ويجب ألا ننسى ان فترة الطفرة الاقتصادية الأولى (1395-1404ه) شهدت إنشاء عدد كبير من مستشفيات حديثة تطلبت في مجموعها آلاف الوظائف وأسلوباً حديثاً في الإدارة. يضاف إلى ذلك - طبعاً - ما يعتري التشغيل الحكومي التقليدي من مركزية القراءات والموافقات وبطء الإجراءات دون النظر إلى المستشفيات كوحدات إنتاج خدمات تتطلب نوعاً من الاستقلالية وسرعة اتخاذ الإجراءات. السؤال الثاني: هل فشل تشغيل المستشفيات عن طريق الشركات. وماهي الاسباب؟ الجواب: هناك تجارب ناجحة وهناك تجارب فاشلة. التجارب الناجحة مثل تجربة تشغيل مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون أو مستشفى الملك فهد للحرس الوطني. كانت ناجحة بسبب أن العقود وفرت كل شيء بحيث أماكن التعاقد مع أحسن الأطباء وأقدر شركات الصيانة مثلاً. لكن تكلفة ذلك كانت عالية، وكان جزء منها يذهب في شكل أرباح أو أتعاب إدارية للشركة، وفي نفس الوقت فإنه جرى تخفيض لهذه العقود في اعتمادات الميزانية. لذا رأى بعض المديرين التنفيذيين في الحرس الوطني والأمن العام بالاتفاق مع وزارة المالية تحويل عقود الشركات إلى تشغيل ذاتي لكي يستفاد من أتعاب الشركة في حالة العقد لصالح المستشفى. وقد نشأ نفس الاتجاه لدى وزارة الصحة بتشجيع من وزارة المالية، حيث كانت مستشفيات الولادة والأطفال بالهفوف ومستشفى الملك عبدالعزيز في جدة ومستشفى الملك خالد التخصصي للعيون هي المنطلق للتشغيل الذاتي، (علماً بأن مستشفى الأحساء جديد لم يسبق تشغيله بواسطة شركة). أما التجارب الأخرى وهي التي خاضتها وزارة الصحة، فقد كان الفشل مبرمجاً لها، بسبب أسلوب المنافسات الذي يخضع لأقل الأسعار، وبسبب ضعف الاعتمادات المالية التي كانت ترغم الوزارة على اختيار أقل الأسعار وبسبب ضعف المواصفات، وبسبب تأخر صرف مستحقات الشركات (في السنوات التي تدنت فيها إيرادات النفط) ودخول شركات قليلة الخبرة ولا تلتزم بشروط التضامن مع شركات عالمية ذات خبرة. كما أنها لا تلتزم بشروط العقد نفسه من حيث عدد ونوعية القوى العاملة. السؤال الثالث: هل نجح التشغيل الذاتي أم فشل؟ وماهي معايير قياس الفشل أو النجاح؟ وهل تتبنى جميع الجهات الصحية نفس المفهوم؟ إذاً لماذا تختلف نسب النجاح؟ الجواب: هناك فرق بين نجاح التشغيل الذاتي كمفهوم، أو نجاحه كتطبيق ولاشك أن مفهوم التشغيل الذاتي واحد، وله ما يبرره وعوامل النجاح أكبر من عوامل الفشل، ولكن اختلاف نسبة النجاح ترجع اسبابه الى التطبيق المختلف، فاعتمادات التشغيل الذاتي هي نفسها اعتمادات عقود التشغيل بواسطة الشركات فكلما كان عقد الشركة السابق للتشغيل الذاتي نسخياً، كان برنامج التشغيل الذاتي مرتاحاً من حيث توفر المميزات والرواتب المجزية للعاملين في البرنامج ولعقود الصيانة والتغذية، مما يجعل إدارة البرنامج تختار أفضل العناصر لتشغيل المستشفى. أما إذا كان عقد الشركة السابق للتشغيل الذاتي هزيلاً فإن هذا ينعكس على برنامج التشغيل الذاتي نفسه ونوعية العاملين فيه. يضاف إلى أسباب اختلاف نسبة النجاح أن درجة الجهات الحكومية في مدى توفير الخبرة الإدارية تختلف أيضاً وخاصة كلما ابتعدنا عن المدن الكبرى. السؤال الرابع: مراجعة وزارة المالية للتجربة توحي بالتشكيك فيها وفي نجاح المفهوم؟ الجواب: لم تجمد وزارة المالية تجربة التشغيل الذاتي تماماً ولكنها لم تعد تتحمس لها، وبطأت من التوسع فيها لعدة أسباب منها: 1- ما لاحظته من اختلاف مستويات الرواتب، وعدم وجود كادر موحد. 2- ما لاحظته من عدم مقدرة بعض المستشفيات على إشغال كافة الوظائف أو استخدام المبالغ غير المصروفة كوفورات يستخدمها المسؤولون في هذه المستشفيات في بنود أخرى. 3- ضعف الخبرة لدى الجهاز الإداري وخاصة فيما يتعلق بالإجراءات المالية. 4- اجراءات التعيين في الوظائف (خاصة الإدارية) لا تخلو في بعضها من المجاملات. 5- وزارة المالية كانت ترغب في تثبيت وظائف برنامج التشغيل الذاتي بمسمياتها ورواتبها في الميزانية تمهيداً لسحبها الى الباب الأول ومن ثم العودة الى التشغيل التقليدي الحكومي. ووجدت معارضة شديدة لذلك لأن هذا يخل بالمفهوم وهو تحقيق المرونة والإدارة الذاتية للمستشفى باعتباره مرفق إنتاج للخدمات يحتاج لسرعة الانجاز والقرار السريع واللامركزية. السؤال الخامس: ماهي معايير قياس النجاح والفشل؟ الجواب: المعيار الأساسي هو تحقيق الأهداف واذا طبقنا هذا المعيار (تجربة التشغيل الذاتي بواسطة الشركات) فسوف نجد أنها لم تعد تحقق أهدافها، فلا هي مجدية اقتصادياً ولا هي تجلب الآن أحسن الكوادر البشرية. السؤال السادس: ماهي مبررات تبني نموذج بذاته في إدارة مستشفياتنا المختلفة؟ الجواب: المستشفيات في كل انحاء العالم متماثلة في أهدافها ونوع عملياتها الإجرائية فالمريض يقصدها طلباً للشفاء (مستشفى)، وتقدم له الخدمات التي تهدف الى تحقيق طلبه بصرف النظر عما إذا كان هذا الهدف تحقق فعلاً. لذلك فإن نموذج التشغيل الفعال المحقق لأغراض المستشفى هو ذلك النموذج الذي تستجاب فيه حاجة المريض فوراً وبدون عوائق إدارية وهذا ممكن في نموذج الإدارة الذاتية التي نجد صورتها الى حد كبير في التشغيل الذاتي وحاجات المرضى ليست مختصرة في الأدوية والأسرة والطعام، بل تشمل ايضاً نوع الرعاية الطبية التمريضية وغيرها. في داخل المستشفى تتم عمليات إجرائية لا حصر لها في كل يوم وهي متنوعة وكلها تتطلب أن تكون الإدارة متصرفة ذات قرار، تستطيع ان تتيح الخدمات المطلوبة، وهذا لا يتم إلا إذا كانت موارد المستشفى تحت تصرف إدارته في إطار مقنن ومنظم. مع أمنياتي لكم وللكاتب بالتوفيق. ٭ مستشار معالي وزير الصحة وكيل وزارة الصحة السابق