في لقاء معالي رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الأستاذ محمد الشريف قبل عدة أشهر تحدث عن توجهات الهيئة وخططها لمكافحة الفساد ومنها القضاء على ظاهرة "الثراء المفاجىء" لبعض موظفي الدولة، وأشار معاليه لبعض الإجراءات منها الكشف على حسابات الموظفين قبل وبعد الوظيفة، فتبادر إلى ذهني بعض الملاحظات بشكل عام... إن وجود إستراتيجية وطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد هو مطلب ضروري ولكن الأهم هو وضوح الرؤية والرسالة وآلية التطبيق و "نزاهة القائمين عليها" فالتجارب السابقة لإستراتيجيات مشابهة تجعلنا غير متفائلين في إمكانية نجاح أي إستراتيجية وطنية ولنا في ذلك العديد من الأمثلة منها على سبيل المثال إستراتيجية مكافحة الفقر، وإستراتيجية القضاء على البطالة...الخ كما أن المواطن "وبصراحة" لم يعد يثق كثيراً بعمل الهيئات إجمالاً نتيجة للتجارب السابقة ولنا في ذلك أمثلة أخرى مثل هيئة حقوق الإنسان وحماية المستهلك وهيئة الاستثمار وغيرها فمعظم من ذكرت لم يقدم من العمل الإيجابي "في رأيي" مايشفع له حتى الآن... ولمناقشة بعض آليات التطبيق التي ذكرها رئيس الهيئة، نجد أن بعضها غير واضح، فعند الحديث عن التوجه للكشف عن حسابات الموظفين قبل وبعد الوظيفة نجد أن الطريقة وحدها لا تكفي؟ لأنه وبكل بساطة يستطيع أي محتال أن يودع كل المبالغ المسروقة في حسابات أخرى للأهل والأقارب كالزوجة والأولاد والبنات...الخ وبالتالي لن تستطيع الهيئة أو غيرها تحقيق الهدف من عملية المراقبة لأن الالتفاف على النظام سهل في مثل هذه الحالات، كما أن بعض الموظفين لديهم في الأصل أعمال تجارية وبالتالي سيختلط الصالح في الطالح... الأمر الآخر، هو عدم وضوح الرؤية لمفهوم الفساد؟ فليس هنالك تعريف واضح ومتفق عليه نستطيع من خلاله أن نعرف ظاهرة الفساد، فهل الفساد المقصود هو المعني بالسرقة من المال العام فقط؟ أم يشمل كل مظاهر الفساد الأخرى وهذا ما ننادي به ومنها استغلال النفوذ والسلطة لتحقيق مصالح شخصية وكذلك الواسطة والمحسوبية وتعقيد الإجراءات والأنظمة بهدف التنفع من الوظيفة والكسب غير المشروع وإساءة استخدام الصلاحيات ومرافق الدولة ومواردها...الخ. أعتقد أن المفهوم الشامل هو المستهدف ولكن ما ورد في اللقاء كان يرتكز معظمه على سرقة المال العام ولم تأخذ الجوانب الأخرى أهمية توازي الظاهرة الرئيسية محل النقاش... كما أن عمل الهيئة يجب أن يرتكز على الجانب التوعوي في الإعلام ومؤسسات التعليم بكل الوسائل الممكنة وبنفس الوقت يجب أن يركز على جوانب أخرى واضحة تبدأ باكتشاف منابع الفساد والتحقيق فيها ومن ثم إحالتها للجهات القضائية، فتصريح رئيس الهيئة بأنها لا تباشر في عمليات التحقيق بل تقوم بإحالة الأشخاص المتهمين إلى الجهات المعنية في الواقع يضعف من عمل الهيئة ويحد تحركاتها ويقلل من أهميتها...! يجب أيضاً "أن تشهر بالمخالفين" حتى يكونوا عبرة لمن لم يعتبر، ويجب أيضاً أن لا تنسى اللصوص السابقين من امتلأت أرصدتهم بالملايين وعثوا بالأرض فساداً وان لا يرتكز عملها فقط على اللصوص الجدد... يجب أن تتبنى شعار "من أين لك هذا" فهو التحدي القائم أمام الهيئة في المستقبل، ويجب أيضاً أن تكرم النزهاء وتكافئهم على إخلاصهم ووفائهم... أخيراً أقول "للشريف" في البداية دع المسامير الصغيرة ولا تشغل نفسك بالبحث عنها في صحراء الربع الخالي حتى لا تضيع وقتك ووقت من حملك الأمانة والمسئولية، لا نريد حصانة لأحد لذا يجب أن تحاسب القوي قبل الضعيف (كائناً من كان) كما قال خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ليكون عبرة للآخرين، فالأهم أن "يهابك الكبار" أولاً لتأمن "الصغار"؟