يجب التفريق بين ثلاثة تعريفات (او مفاهيم): أولا مفهوم ذروة البترول، وثانيا مفهوم النضوب الاقتصادي للبترول، وثالثا مفهوم النضوب الجيولوجي للبترول. ذروة انتاج البترول لا تعني جفاف الحقل، بل تعني فقط أن إنتاج البترول في حقل معين قد وصل الى مستوى إنتاج أقصى يجب على المنتج عدم تجاوزه حتى لا يتسبب في حدوث خراب في المكامن لا يمكن اصلاحه Irreversible damage إذا استمر في مخالفته للقوانين الطبيعية، وبالتالي سيضطر بقوة الطبيعة لخفض الإنتاج. الشيء الذي ينطبق على انتاج حقل واحد سينطبق بمرور الزمن على مجموع إنتاج الحقول في دولة بكاملها، وبالتالي سينطبق - بمرور الزمن أيضا - على مجموع انتاج حقول البترول في العالم. النضوب الإقتصادي للبترول يعني أنه بعدما يصل إنتاج الحقل الى الذروة قد يستمر الإنتاج لفترة معينة على نفس المستوى Plateau ثم يبدأ الإنتاج في الإنخفاض تدريجيا وترتفع تكاليف انتاج المتبقي منه - تدريجيا أيضا - الى ان تصل تكاليف انتاج البرميل الى سعر بيعه في السوق فيضطرالمنتج الى إيقاف الإنتاج لأن المتبقي منه يصبح غير مجد من الناحية الاقتصادية في ظل أسعار البيع السائدة. لا يوجد من الناحية النظرية ما يمنع أن يعاود الإنتاج اذا ارتفعت الأسعار، ولكن يفقد المتبقي منه ميزته النسبية. أما النضوب الجيولوجي اي بمعنى اختفاء البترول بالكامل من تحت الأرض فإن هذا لن يحدث الى يوم القيامة، ولكن الذي سينتهي هو البترول السهل منخفض تكاليف الإنتاج. ثم الذي يليه في السهولة وانخفاض التكاليف ثم الذي يليه وهكذا دواليك، حيث تبدأ شركات البترول بالإنتقال من المناطق الحالية السهلة الى المناطق الجديدة الصعبة الى ان يرث الله الأرض ومن عليها. زاوية اليوم ستختص بالجواب على سؤال واحد هو: هل وصل انتاج البترول الخام السهل (المعروف بإسم CRUDE) في العالم الى الذروة مابين الأعوام 2000 - 2010 (كما تنبأ هابرت) ؟ الجواب نعم مع بعض الإيضاحات (أؤجل الإيضاحات وأدخل مباشرة للجواب). في الحقيقة ان الذين يقولون نعم هم أهم ثلاث جهات يقومون بنشر توقعاتهم لإنتاج البترول وهم: اوبك (نعم اوبك حتى لو انكرت)، وادارة معلومات الطاقة الأمريكية EIA، ووكالة الطاقة الدولية IEA. سأركّز الآن على تقرير وكالة الطاقة الدولية لعام 2010 (WEO 2010) وردت صورة بيانية بالألوان في ملحق الرسومات (key graphs) بعنوان: انتاج البترول العالمي وفقا للنوع World oil production by type الى عام 2035 تكفيني شخصيا عن قراءة كامل التقرير. بالقاء نظرة فاحصة على الصورة نجد ان البترول الخام Crude من الحقول الحالية في العالم وصلت الى ذروة انتاجها بمقدار 68 – 70 مليون برميل في اليوم منذ عام 2005. ثم بدأ انتاجها في الانخفاض السريع منذ عام 2008 وتم تعويض النقص (وفقا للصورة) من تطوير حقول جديدة، ولكن بحلول العام 2015 (أي بعد ثلاث سنوات فقط) لن تستطيع الحقول الجديدة ان تعوّض النقص في الحقول الحالية ولابد من الاستعانة بالحقول التي لم يتم اكتشافها بعد للمحافظة على انتاج البترول الخام عند مستواه الحالي (أي 68 مليون برميل فقط). ثم تقول الصورة ان المجموع الكلي لإنتاج العالم من السوائل الأحفورية سيبلغ عام 2035 مقدار 96 (ستة وتسعين مليون) برميل تتكون من ثلاثة انواع كالتالي: 68 مليون برميل الخام + 18 مليون برميل سوائل الغاز + 10 ملايين برميل البترول غير التقليدي. ثم تستطرد وكالة الطاقة الدولية في توقعاتها لأسعار البترول فتتوقع بأنها ستصل الى أكثر من 210 (مائتين وعشرة) دولارات بالأسعار الجارية للبرميل عام 2035. إذن البترول الخام النبيل من نوع بترول اوبك الرخيص (أي السهل منخفض تكاليف الإنتاج) فعلا وصل ذروة انتاجه عند مستوى مابين 68 – 70 مليون برميل في اليوم منذ عام 2008 بفارق ثلاث سنوات فقط عن تقديرات هابرت. قد يعترض البعض قائلا: ولكن انتاج البترول الخام الكلي للعالم لم يأخذ شكل الجرس المقلوب بعد عام 2008 بل أخذ شكل البلاتو Plateau ؟ التفسير بسيط جدا لا يخفى على أي متخصص. لكن لا أريد ان أحرق التفسير في السطرين المتبقيين لزاوية اليوم بل سأتركه - إن شاء الله - لزاوية سبت الأسبوع القادم.