رفض 55٪ من الناخبين الفرنسيين في استفتاء الاحد الدستور الاوروبي مما يفتح أزمة كبرى في اوروبا ويشكل هزيمة ساحقة لقادتهم وعلى رأسهم الرئيس جاك شيراك . وقد أفادت النتائج النهائية لهذا الاستفتاء التي اعلنتها وزارة الداخلية الفرنسية ان 87، 54٪ من الفرنسيين رفضوا المعاهدة الدستورية مقابل 13، 45٪ عبروا عن تأييدهم لها. وبذلك اصبحت فرنسا اول البلدان المؤسسة للوحدة الاوروبية في الاتحاد الاوروبي يرفض المعاهدة الدستورية. ويمكن ان ينهي هذا الرفض اول نص يعد في القارة الاوروبية لتنظيم الاتحادالاوروبي الموسع باعضائه ال 25. الا ان رئيس وزراء لوكسمبورغ جان كلود جونكر الذي يتولى حاليا الرئاسة الدورية الاتحاد الاوروبي اكد ان «المعاهدة لم تمت»، مؤكدا ضرورة «مواصلة عملية المصادقة على الدستور الاوروبي». واثار هذا التصويت استياء كبيرا في العواصم الاوروبية واضطر القادة الاوروبيون الى التأكيد ان عملية المصادقة على هذا الدستور ستستمر رغم الرفض الفرنسي ومداه. وقال المستشار الالماني غيرهارد شرودر ان هذا التصويت «ضربة لعملية تبني الدستور لكنه ليس النهاية»، بينما دعا رئيس الوزراء الاسباني خوسيه لويس ثاباتيروالى مواصلة عملية ابرامه. الا ان الرفض الفرنسي يمكن ان يدفع الناخبين في دول اخرى مثل هولندا التي تنظم استفتاء حول الدستورغدا الاربعاء يرجح فوز المعارضين فيه، الى موقف مماثل. وفي اعلان رسمي، أكد شيراك انه «اخذ علما بالقرار السيادي» للفرنسيين. ويشكل انتصار رافضي الدستور ضربة لشيراك (72 عاما) الذي سعى بقوة لاقناع الناخبين بقبول النص ويؤدي الى اضعافه بشدة داخل فرنسا وعلى الساحة الدولية. وقد اتخذ الرئيس الفرنسي مبادرة عرض الدستور الاوروبي لاستفتاء بينما كان يمكنه ان يكتفي بطرحه في البرلمان للمصادقة عليه. وقال شيراك ان «فرنسا تبقى في الاتحاد وستحتفظ بمكانتها فيه»، موضحا في الوقت نفسه ان هذا التصويت السلبي «خلق جوا صعبا للدفاع عن مصالحنا في اوروبا». والمح شيراك ايضا الى انه سيستبدل في الايام المقبلة رئيس الوزراء جان بياررافاران الذي لا يتمتع بشعبية في البلاد. وارتفعت أصوات في اليمين واليسار على حد سواء منذ مساء الاحد تدعو الى استقالة الرئيس. لكن شيراك اعلن مسبقا انه يستبعد هذا الخيار. من جانبهم، دعا اعضاءالحكومة الى التجمع حول الرئيس الذي يواجه وضعا صعبا. وحمل زعيم الحزب الاشتراكي فرنسوا هولاند الحكومة مسؤولية فشل تبني الدستورالاوروبي الذي كان يدعو الى الموافقة عليه بينما انشق حزبه خلال الحملة التي سبقت الاستفتاء. وكان للاستياء الاجتماعي ومن ارتفاع نسبة البطالة التي بلغت 2، 10٪ والخوف من النص الذي اعتبره كثيرون «مفرطا في الليبرالية» ويمكن ان يضر «بالنموذج الاجتماعي»الفرنسي، ورغبة الفرنسيين في مقاطعة النخب، اكبر الاثر في خيارهم. والى جانب اضعاف الرئيس الفرنسي، يمكن ان يؤدي رفض المعاهدة الدستورية أزمة عميقة في الحزب الاشتراكي الفرنسي. (الدستور لم يمت بعد!) ويفترض الا يؤدي رفض الفرنسيين وغيرهم للدستور الاوروبي، نظريا الى وقف عملية المصادقة على هذا النص التي يجب ان تستمر حتى نهايتها وان شهدت بعض العراقيل في دولة او اكثر في الاتحاد الاوروبي. وينص الدستور نفسه على انه «بعد انتهاء مهلة مدتها عامين بدءا من تاريخ توقيع المعاهدة التي تنص على دستور لاوروبا، في حال صادقت اربعة اخماس الدول الاعضاءعلى المعاهدة وواجهت دولة او اكثر صعوبات في تبنيه، تنقل القضية الى المجلس الاوروبي». وفرنسا هي الدولة العاشرة في الاتحاد التي تتخذ موقفا من الدستور الاوروبي ومبدئيا يفترض ان يجرى استفتاء حول الدستور الاوروبي في بريطانيا العام المقبل، لكن اي موعد دقيق لم يحدد لهذه المشاورة. (لا الفرنسية والصحافة) تصدرت كلمة «لا» في الاستفتاء حول المعاهدة الاوروبية في فرنسا، صفحات جميع الصحف في باريس وسائر المناطق امس الاثنين، معبرة بحسب الصحافة عن فشل ذريع له وقع زلزال بالنسبة للرئيس جاك شيراك وللطبقة السياسيةالفرنسية عموما. وكتبت صحيفة «لا تريبون» الاقتصادية «ان هذا التصويت هو بالطبع زلزال» وذلك «على صعيد السياسة الداخلية بالمقام الاول»، مشيرة الى ان «البلاد تذكر جاك شيراك بشكل فظ بانه لم يتم الاستماع اليها خلال الاستشارات السابقة، سواء بالنسبةللانتخابات الاقليمية او الانتخابات الاوروبية العام الماضي» حيث خسر شيراك ايضا. ورأت صحيفة «لو باريزيان» الشعبية ان «55٪ نسبة اللا، هذا هائل. الفرنسيون عبروا عن رفضهم لجاك شيراك، انما كذلك لمعظم القادة السياسيين (من اليسار واليمين على حد سواء)». وتحدثت «ليبيراسيون» اليسارية عن «طبقة سياسية مارست الكذب على مدى سنوات عديدة، اشخاص معروفين بعدم كفاءتهم في القيادة ومن بينهم رئيس حالي». واشارت «وست فرانس» الاكبر انتشارا بين الصحف اليومية الى ان «الغضب الفرنسي يهز اوروبا»وكتبت «لو فيغارو» اليمينية ان «الفرنسيين ادركوا قدرتهم الحقيقية، القدرة على تغيير اتجاه البناء الاوروبي وتوجيه مصير 450 مليون مواطن بخيارهم هم». وأخيرا عنونت «لومانيتيه» الشيوعية «55٪: الشعب يقول لا لاوروبا الليبرالية»، معتبرة ان «الطريق بات مفتوحا لاعادة بناء معاهدة جديدة مع الشعوب الاوروبية الاخرى. ( انهم يزرعون الفوضى) اما الصحافة البريطانية فقد اتسمت تعليقاتها علي ال «لا الفرنسية» بالتباين نسبيا ورأت الصحف البريطانية امس الاثنين ان الفرنسيين زرعوا الفوضى في الاتحاد الاوروبي برفضهم الدستور الاوروبي بينما عبرت بعض الصحف المعارضة لوحدة اوروبا علنا عن ارتياحها لنتيجة الاستفتاء الذي نظم امس الاول الاحد. واعترضت كلمة «لا» بحروف عريضة صحيفة «ديلي ميل» المحافظة والمعادية لاوروبا التي عنونت «أزمة بوجه بلير فيما يعطي الفرنسيون قبلة الموت للدولة الاوروبية العظمى». وكتبت الصحيفة المعروفة بلهجتها المعادية لفرنسا بالفرنسية «تحيا فرنسا! تحيا الجمهورية! يحيا التحرير!» مختتمة افتتاحيتها «المهم ان وثيقة مثيرة للسخرية وغيرمتقنة دفنت». ومن عناوين الديلي ميل ايضا «كيف فقد شيراك الاتصال مع شعبه». من جهتها عنونت «ديلي اكسبرس» الشعبية المحافظة «الدستور الاوروبي حطاما». كما عنونت «ديلي تلغراف» المحافظة «لا: اوروبا في قلب الاعصار فيما يرفض الفرنسيون الدستور». ورأت الصحيفة في افتتاحيتها انه «بالرغم من صحافة متحدة في موقفها المؤيد ومن طبقة سياسية متراصة في دعمها لبروكسل ومن دعاية هائلة، لفظ الفرنسيون لا مدوية للنخب الاوروبية التي تحكمهم منذ نصف قرن». لكنها اشارت الى ان «هذا اللا لن يكون له تاثير فعلي في بروكسل». واعتبرت «الغارديان» اليسارية ان «بريطانيا مستعدة للتخلي عن اجراء استفتائها وهي تعتقد انها تحظى بدعم (شركائها الاوروبيين) لوقف عملية الابرام». واوردت «ديلي ميرور» اليسارية ان «بلير سيدفن مشروعه لاجراء استفتاء اوروبي بعد اللا الكثيفة الفرنسية».