حين سقط صدام حسين سارع من كان يعرفه - أو حتى صافحه ذات يوم - للحديث عنه أو الكتابة حوله بثمن معلوم.. وحين سقط الرئيس المصري انسحب من حزبه الوطني 50 ألف عضو في يوم واحد وأصبح الطباخون والحلاقون مصدر المعلومات الثرية حول حياته الشخصية.. وحين قبض الثوار على القذافي تحول الوزراء السابقون الى خبراء في الشأن الجديد وتحولت حارساته الشخصية (ممن يصرخن واقذافاه حين تتأخر طلعته البهية) إلى شاهدات إثبات على جنونه ومجونه ونزواته الشخصية.. وهذه كلها محاولات استرزاق من مصائب المشاهير - لم تكن معروفة لدينا قبل الربيع العربي!! ورغم أنها جديدة في عالمنا العربي إلا أنها ظهرت في أمريكا وأوروبا قبل فترة طويلة.. فالكثيرون هناك أثروا من تأليف الكتب حول اغتيال كينيدي ومحاولة اغتيال ريغان.. وكثيرون ظهروا على شاشات التلفزيون كخبراء في تحليل مغامرات كلينتون الغرامية وعلاقته بمونيكا لوينسكي.. وحين شغلت جريمة اللاعب سمبسون الرأي العام الأمريكي سارع كل من يعرفه - أو حتى صافحه ذات يوم - لتأليف كتاب ضده حقق مبالغ طائلة بفضله. أما في أوربا فيمكننا العودة بهذه الظاهرة إلى عهد الملكة فيكتوريا التي تسربت فضائحها الشخصية من خلال سائسها الخاص.. أما المرأة الحديدية مارغريت تاتشر فمن خلال كوافيرها الشخصي، والأميرة ديانا من خلال حارسها العاشق (الذي ألف عنها كتابا) والأميرة آن من خلال مدرب البولو (الذي أوصت له بجزء من ثروتها)!! أما في فرنسا فهناك كتابان حققا أرباحا تفوق رواتب (السائق والمرافق والحارس) لعشرين عاما على الأقل.. فهناك مثلا جان كلود لومون السائق الخاص للرئيس السابق الذي نشر كتابا حقق المركز الأول في المبيعات لفترة طويلة؛ فقد عمل لومون كسائق خاص للرئيس شيراك على مدى ربع قرن وألف حوله كتابا يتضمن فضائح وأسرار يندى لها الجبين (ويدعى 25 عاما مع فخامة الرئيس).. ومما قاله في كتابه أن علاقة شيراك مع زوجته برناديت انتهت بعد انجاب ابنتيهما وأنهما يعيشان منذ تلك الفترة كشخصين منفصلين لهما علاقاتهما المستقلة. ويؤكد لومون أنهما يلتقيان فقط في المناسبات الرسمية وأمام المصورين من خلال مواعيد يبلغهم بها السكرتير الخاص.. أما فيما يخص شيراك ذاته فيقول لومون إنه سعيد بهذا الترتيب كونه يتيح له التمتع بغرامياته الخاصة (وخصص فصلا كاملا بعنوان: استراحة محارب يضم أسماء سكرتيرات ووزيرات ونجمات دخل معهن شيراك في علاقة سرية)!! والمخزي أن لومود نشر كتابه هذا بعد النجاح الساحق الذي حققه كتاب "المحاور المتميز" الذي نشره الحارس الشخصي للرئيس ميتران. فقد عمل دانييل غامبا كحارس شخصي للرئيس السابق طوال أربعة عشر عاما. وهو بدوره يتحدث عن غراميات الرئيس ومشاكله مع زوجته وفضائحه داخل الأليزيه.. ويقول غامبا ان الرئيس ميتران لا يتورع عن الهجوم على أي امرأة تعجبه - حتى في الحفلات الرسمية وأن أول لقاء مع الضحية ينتهي بدعوتها مساء لقصر الأليزيه لا تخرج بعده إلا في الصباح الباكر!! وهذه كلها مجرد نماذج للعلاقة المتوترة وغير المتكافئة بين "الحاشية" وسروات القوم؛ فمن جهة قد يحمل "الموظف" مواقف وأحقادا تراكمت عبر السنين في حين لا يستطيع المسؤول الاستغناء عن خدمات حاشيته ولا يدرك حجم درايتهم بأسراره الشخصية.. وهكذا حين تنفصل العلاقة بين الطرفين تسنح الفرصة (للجانب الأضعف) لبث همومه وشكواه من خلال كتاب أو مقابلة تلفزيونية يضرب من خلالها ثلاثة عصافير بحجر واحد.. شهرة.. ومال.. وانتقام!