عام هجري انصرم، مضى بحلوه ومُره، عاش البعض فيه أفراحاً وعانى فيه آخرون أتراحاً، ضحك البعض وبكى البعض، هذه سنة الحياة منذ أن بدأ الله الخلق إلى أن يرث عز وجل الأرض ومن عليها، وبالأمس ودعنا عام 1432ه واستقبلنا العام الجديد 1433ه، فهل سألنا أنفسنا ماذا عملنا في العام الماضي؟، وماذا أنجزنا فيه؟، وهل كنا مخلصين في أعمالنا؟، سواء على مستوى علاقتنا مع خالقنا عز وجل، أو علاقتنا مع مجتمعنا، أو علاقتنا مع أسرنا وأبنائنا وأقاربنا ومن حولنا؟، وما هو حجم ما تم استثماره من أوقات في أعمال مفيدة؟، وما هو حجم ما ضاع من الوقت هباءً منثوراً؟. المشكلة أننا نعيش في غفلة ولا نحاول أن نتعامل بشفافية وصدق مع أنفسنا، بل ولا نعرف حجم مالنا وما علينا، ولا نعمل بكشف حساب حقيقي لحجم مكاسبنا وخساراتنا.. مهمتنا الوعي بأهمية «التغيير للأفضل» والتخلي عن ثقافة «كل شيء تمام»! "الرياض" تناقش بعض المواقف والملاحظات التي تحتاج أن نقف عندها كثيراً، ونبحث عن تأثيرها على مسيرة حياتنا، وكيفية وضع الحلول التي تكفل علاج ضررها وسلبياتها، بعيداً عن المكابرة وتصوير أنفسنا بخلاف الواقع، مما يؤثر في تلمس أخطائنا ووضع العلاج لها قبل أن تستفحل ويصعب علاجها. أيام زمان في البداية قال "د.فريد حسن الأهدل" -عميد كلية العلوم سابقاً والمتقاعد حالياً-: رحم الله أيام زمان عندما كانت العلاقات الإنسانية بين الناس نموذجا للمحبة والترابط والتعاضد، أما اليوم فقد طرأت على مجتمعنا الكثير من المتغيرات التي أذابت العلاقات الاجتماعية، بل ولم تعد الزيارات بين الأهل مثلما كانت عليه في السابق، وكذلك لم تعد موجودة إلاّ فيما ندر، حيث لا يلتقي الأهل والأقارب إلاّ في مناسبة زواج أو جنازة!، مبرراً هذه القطيعة بأسباب كثيرة منها تباعد الناس في المدينة الواحدة، وكذلك تباعد الأحياء، الأمر الذي عجز الناس عن زيارة بعضهم. نحتاج إلى «كشف حساب» بعيداً عن المكابرة وتصوير أنفسنا عكس الواقع عقوق وقسوة لماذا يعق الابن والدته التي حملته وأرضعته؟، بل وسهرت الليالي الطويلة ترعاه وتضمه إلى صدرها، ولماذا يقسو الابن على والده الذي تعب وكد وعرق من أجل أن يوفر له كل ما يحتاجه؟، ولمّا شب واشتد ساعداه انقلب على من تعب من أجله عقوقاً وصلفاً، إلى درجة وصلت إلى أن يقدم الابن على قتل أمه أو والده، أو أن تعمل خمس أخوات على قتل شقيقهن، وفي الجانب الآخر نجد أنه في هذا الزمن انتشر الكثير من حالات القسوة والعنف من قبل الأزواج على زوجاتهم، بل وعلى أبنائهم، إن مثل هذه الحوادث المفزعة التي بدأت تطل برأسها في مجتمعنا تحتاج إلى بحث وتقصّ من خبراء مؤهلين. مشكلة البطالة في ازدياد ولا حلول «عدسة- محسن سالم» وأكد "عبدالرحمن نصيف" -المحامي والمستشار القانوني- على أن العقوق زاد في الوقت الحاضر، وهذا ناتج عن غياب التوجيه والتربية السليمة من الآباء والأمهات ومن المؤسسات التربوية، لكن السبب الأكبر هو انتشار أكل المال الحرام؛ بسبب انتشار الربا في معظم تعاملاتنا البنكية، وكذلك انتشار أسباب المفاسد، وعدم الحرص من الأسر على توجيه أبنائهم ومتابعتهم ومعرفة سلوكهم ورفقائهم، مضيفاً أن طمع الدنيا وحبها وصل بالأبناء إلى درجة الحجر على آبائهم ومنعهم من التصرف في مالهم الذي جمعوه بفضل الله ثم بعملهم وبعرقهم وكدهم، موضحاً أن المحاكم تشهد الكثير من هذه القضايا، مشدداً على أهمية أن نعيد النظر في سلوكنا وتصرفاتنا، مع الحرص على أن نطعم أبناءنا من مال حلال، وأن نربيهم على أخلاق الإسلام، إلى جانب أن نحرص على تشجيعهم وحثهم على حفظ كتاب الله الكريم وتدبر معانيه، فالكثير من جيل اليوم يحفظ الأغاني أكثر مما يحفظ "آية الكرسي"!. سالم مريشيد وقال "عبدالله بخيت" -إعلامي-: إن الكثير من حالات العقوق من الأبناء لوالديهم، وحالات القسوة من الآباء والأمهات والأزواج والزوجات؛ ناتجة عن ضعف الوازع الديني، ولكن الشيء الذي يجب أن ندركه أن هذه طبيعة الحياة شر وخير وبقدر ما فيها من شرور فيها أيضاً الكثير من الخير، مضيفاً أنه لا يجب أن يصرفنا ذلك عن مراجعة تصرفاتنا وسلوكياتنا ودراسة العوامل التي أدت إلى وجود مثل هذه الظواهر، والتي لم تكن موجودة في مجتمعنا، مثل قتل أحدهم والدته وجدته بكل وحشية، أو قتل بعض الزوجات أبناء أزواجهن من زوجات أخريات، أو تخلي بعض الآباء عن أبنائهم وزوجته ورميهم في الشارع، أو هروب بعض الأبناء من منزل أسرته، أو..، أو..، وغير ذلك من السلوكيات التي لم تكن موجودة في المجتمع، والتي يجب أن نضعها تحت مجهر البحث والتقصي، لنعرف أسبابها؛ لأنه متى عرفت الأسباب سهل العلاج، مشيراً إلى أنه لا يجب أن نقف متفرجين، ونتصور أن هذه حالات فردية، ثم نقف عند حد التنظير، متمنياً أن يكون المستقبل وهذا العام وما يأتي بعده مليئا بالسعادة والخير والأمن والاستقرار للوطن والمجتمع. د.فريد الأهدل تعطيل المصالح كم ساعة أضاعها الموظف -أي موظف- خلال العام المنصرم، لم يؤد فيها عمله على أكمل وجه؟، ليتسبب في تعطيل مصالح الناس وتأخير البت فيها، وكم قضية بقيت تراوح عند القاضي "س" أو "ص" في هذه المحكمة؟؛ بسبب المواعيد الطويلة، مرة بسبب غياب المدعى عليه، ومرة لأنه لم يحضر ما طلب منه القاضي، ومرة لأن القاضي الذي لديه القضية مسافر وسيغيب فترة من الزمن، أو لأنه مريض أو غير ذلك، ليظل صاحب الحق يدور ويدور يبحث عن حقه، ليكتشف أنه يحتاج إلى وقت طويل للوصول إليه، وكم مسؤول لم يخش الله في الأمانة التي أعطيت له وكان له دور كبيراً فيما تعانيه إدارته من فساد إداري؟. عبدالرحمن نصيف طمع وجشع وأوضح "د.إيهاب السليماني" -مدير مؤسسة السليماني لخدمة المجتمع- أن هذا الخلل ناتج عن انشغال البعض بالدنيا والطمع والجشع، والذي ساهم في ظهور الفساد الإداري، نتيجة عدم وجود حزم في تطبيق الأنظمة الرادعة لهذا الفساد، ليصبح من يتمسك بالقيم والأمانة في عمله متخلفاً عن مجريات العصر والمصلحة، عاجزاً عن تغيير سيارته القديمة وبيته الشعبي الصغير، بينما هناك من يسرق ويستغل موقعه الوظيفي لمصالحه الخاصة، يصبح في فترة وجيزة من الأثرياء، مشيراً إلى أن الخوف أن يتنازل ذلك المخلص والأمين عن قيمه ليواكب عصر الفساد الذي نخر جسد الوطن، وأفسد الكثير من إنجازاته، بل واستولى على الكثير من مقدراته التي اعتمدها ولاة الأمر، للرقي بالوطن وتحقيق الرفاهية للمواطن، متمنياً أن يكون ل"هيئة مكافحة الفساد" دور ملموس وحقيقي لمحاربة الفساد الإداري الدخيل علينا بكل أشكاله. عبدالله بخيت لا يوجد مبادرة وأكد "أيمن النفجان" -رجل أعمال- على أن المواطنة الحقيقية والغيرة على الوطن موضوع كبير، مضيفاً أن الواقع هو أن الكثير منا لا يسأل ماذا قدم للوطن؟، وإنما ماذا قدم له الوطن؟، وهذا خلل كبير في المواطنة، مشيراً إلى أن المواطنة الحقيقية تتضح من خلال حرص الناس على النظام وتطبيقه وحرصهم على النظافة، ذاكراً أن الكثير من الناس لا توجد لديه المبادرة لخدمة المجتمع والوطن، وهذا يجب أن نبحث أسبابه، وهل هي ناتجة من التعليم أم من تربيتنا لأبنائنا؟، موضحاً أن هناك خللا في نظرة المجتمع للناس، فالناس تقدر وتحترم من عنده "فلوس"، وليس على ما يقدمه للوطن والمجتمع. د.إيهاب السليماني مشكلة البطالة وحسب آخر إحصائية وزارة العمل وبرنامج حافز، وصل عدد العاطلين من الشباب أكثر من (750) ألف عاطل، وهذا رقم مزعج ومقلق، خاصةً في بلد مثل المملكة يوجد فيه أكثر من (7) ملايين وافد من مختلف أنحاء العالم، يتمتعون بالأمن الوظيفي، وأكثر من مليون ونصف منهم يعملون في وظائف وأعمال يمكن أن نحل المواطنين فيها خلال أسبوع، وبشكل يستوعب جميع العاطلين ولكننا لا نفعل. وقال "عبدالمحسن العتيبي": إن الخلل في الوطنية يتضح من خلال سلبية القطاع الخاص، من خلال عدم إيجاد الحلول لمشكلة البطالة، رغم وجود الكثير من الوظائف التي يعمل بها وافدون بأجور كبيرة، يمكن أن يُعين عليها الكثير من شباب الوطن، مضيفاً أنه وصل الأمر لدى بعض الشركات والمؤسسات أن تعمل بمبدأ "التوظيف الوهمي"، لمواطنين لا وجود لهم على رأس العمل، حتى تخرج من مسألة وزارة العمل، وهذا يمثل منتهى التنكر للمسؤولية الوطنية. أزمة السكن ومن صور عدم الإحساس بالمسؤولية الوطنية عند بعض رجال المال، أن هناك من تجار العقار من يملك الكثير من الأراضي والمخططات البيضاء في المدن التي تعاني من أزمات سكن، ولم يفكر في تحويلها إلى منشآت عمرانية، إضافةً إلى تمليكها للمواطنين بأقساط مريحة؛ للمساهمة في حل هذه المشكلة التي يعاني منها أكثر من (80%) من المواطنين، ليبقى السؤال: هل نعيد حساباتنا مع أنفسنا ونعرف مدى بعدنا وقربنا من المساهمة بما أفاء الله به علينا من مال وخير في خدمة مجتمعنا ووطننا؟، لنكون أعضاء عاملة ومفيدة وخلاقة لكل ماهو إيجابي؛ لأن ذلك هو مقياس الوطنية الحقيقية.