فدوى طوقان شاعرة باهرة، جريئة في البوح بعواطفها بعكس جداتها القديمات، فالعاشقة العربية تسفح دموعها على النفود، وقد تسيل دماؤها على رماله لو باحت ببعض ما تجد، لذلك بلعت صحراء العرب عواطف الملايين من النساء بل دموعهن ودماءهن على مر الدهور.. لكن العصر الحديث شهد تغيراً جذرياً في تعبير المرأة عن عواطفها وبوحها بوجدها جهاراً وفي أشعار منشورة على الملأ وربما صدح بها المغنون والمغنيات، لا نجد هذا في شعر فدوى وحدها بل أيضاً في شعر عاتكة الخزرجية وفاطمة الدريدي وجليلة رضا ولميعة عباس وسعاد الصباح. فدوى طوقان تشمل بوجدها وعشقها وشعورها الوجود كله في تجربة تبدو عابرة لكنها غامرة في فيض مشاعرها والجرأة على البوح بمكنون أعماقها: ويفجعني وقع خطو بعيد ورائي.. اصغي إليه طويلاً ويهتف قلبي: هذي خطاه أرى في صداها عليه دليلا خطى العنفوان خطى الكبرياء تنم عليه عظيماً نبيلا وتختطف الروح غيبوبة وقد رحتَ تدنو قليلاً قليلا وأغرق في حلمٍ ساحرٍ أحال حياتي فناً جميلا وفي غمرات الذهول العميق تطالعني القامة الفارعه فأشخص ثم أغضُّ حياءً واكسر من لهفتي الجائعه وأبدي جمود الخلي كأن لم ترج دمي الطلعة الرائعة وتحت جمودي اضطراب عصوف أُداريه مُغضيةً وادعه وتحت جمودي من العاطفات أعاصير جارمه دافعه وتمضي وأمضي مع العابرين وما بيننا غير نجوى النظر وطيف ابتسام على شفتيك ووهج هيام بعمقي استعر وقد هبط الليل حلو الغموض خلوب الرؤى عبقري الصور وماجت مع الريح خُضرُ الكرومِ مشعشعة بضياء القمر وفاض الوجود شعوراً وشعراً وذاب من الوجد حتى الحجر»!