الرؤية الشمولية المتكاملة للعملية الإدارية إذا توفرت فإنها تنقل المسؤول إلى الميدان ليرى الواقع بشكل مباشر بدلاً من الغوص في بحر الأوراق والإجراءات اليومية. هذا العمل الميداني يحتاج إلى تفعيل في كافة القطاعات، وهو مطلب يتكرر كلما وقعت حادثة من الحوادث المأساوية كما حصل في حريق مدرسة براعم الوطن في جدة. هذا الحادث وغيره من حوادث مماثلة يدفعنا للتساؤل عن الإدارة الفاعلة، أو إدارة الفعل وليس رد الفعل. إدارة الفعل سوف تبادر إلى إعادة النظر في تصميم المدارس بشكل عام ومدارس البنات بشكل خاص لا لكي يتفق مع المتطلبات التربوية فقط، وإنما المتطلبات التي تضمن الأمن والسلامة. إدارة الفعل لن تنتظر وقوع حادث حريق حتى تكتشف الخلل. إدارة الفعل تعرف ما تريد، تملك رؤية، تعمل وفق نظرة شمولية، تبادر، وتنسق مع الجهات ذات العلاقة، إدارة تعمل للمستقبل وليس كرد فعل لحوادث تحرك الإعلام والمجتمع فيضطر المسؤول للتجاوب معها. إدارة الفعل سوف تعيد النظر في تراخيص المدارس المستأجرة، والمدارس الخاصة، وحجم الفصول، وعدد الطلاب في كل فصل. سوف تقيم جوانب الأمن والسلامة وتوفر الوسائل والأدوات وبرامج التدريب. لقد لاحظنا بعد حريق مدرسة براعم الوطن تحركاً من بعض الجهات حيث بدأ تشكيل اللجان للقيام بجولات تفتيشية، كما بدأت تظهر الدراسات التي تشير إلى عدم توفر معايير السلامة في المدارس. هذه تحركات إيجابية ولكنها تأتي في إطار (رد الفعل) وليس (الفعل) وهذه الصفة تجعلها تحركات مؤقتة تنتهي بانتهاء المدة المحددة لها، وهذا بالتأكيد ليس هو العمل الإداري الذي نبحث عنه. قبل عشر سنوات احترقت مدرسة بنات في مكةالمكرمة، كان رد الفعل القوي هو وضع تعليم البنات مع تعليم البنين تحت مظلة واحدة هي وزارة التربية والتعليم. هذا التنظيم له إيجابيات كثيرة لكن هذه الإيجابيات لم تصل حتى الآن إلى تطوير تصميم مدرسة البنات. إن شبابيك الحديد، وعدم توفر سلالم الحديد الخارجية في مدارس البنات لا يتفق أبداً مع معايير السلامة، ليس هذا فحسب بل هو يعكس ثقافة تحاصر المرأة بالشك، وتجعلها دائماً مذنبة حتى تثبت العكس. إن جرس الإنذار الذي يقال انه انطلق متأخراً في مدرسة براعم الوطن هو يدق منذ زمن طويل بصفة مستمرة لتنبيه الإداريين بأهمية المتابعة، والصيانة، والرقابة، والمحاسبة، لكن العمل اليومي، وروتين المعاملات وتدفق الأوراق، وحضور الاجتماعات والمشاركة في لجان متعددة، كل ذلك يأخذ معظم الوقت على حساب التخطيط، والتطوير، والمتابعة. جرس الإنذار الإداري يدق ليذكر المسؤولين بالخروج من مكاتبهم، ويذكرهم بمبدأ إداري اسمه التفويض لإعطاء صلاحيات اتخاذ القرارات لمن يعمل في الميدان وليس في الجهاز المركزي. جرس الإنذار يدق لينقلنا من إدارة (رد الفعل) إلى إدارة (الفعل) فهل نحن فاعلون؟