يوم الأحد الماضي كانت بيروت مجنونة..!! إنه يوم انتخابات نيابية.. ويوم الانتخابات النيابية للذي غير معني بها إلا في حدود عمله كصحافي هو يوم ثقيل فيه تراكمات الملل والسأم تقتل النفس والروح، وتعطيك شعوراً بالبلادة، وإحساساً بضياع الزمن ورتابته. يوم الانتخابات هو قاتل بحيث لا تجد لك مكاناً في مقهى تتواصل فيه مع من تعودت أن تتواصل معهم، ويشاركوك الاهتمامات، والآراء، والأفكار، وتغسل متاعبك من خلالهم عبر البوح الجميل، والمكاشفات، والمصارحات في أمور حياتية، واجتماعية، وفكرية، وسياسية تشغل البال، وتأخذ من تفكيرك نزفاً يحاصرك بالألم.. إلا إذا كنت محازباً، أو منتمياً لتيار، أو جهة، أو حركة، وتجتر الشعارات البائسة المقولبة الداعية إلى استعادة كرامة الأمة، والانتصار على قوى الرجعية والاستعمار، والعداء لأميركا، وبالدم، بالروح نفديك..!! والشعارات مجوفة هلامية تخرج من الفم لتضيع في غبار الأيام..!! يوم الانتخابات هو يوم التكاذب السياسي، والبذاءة السياسية، فاللغة المستخدمة دائماً هي من قواميس الحرب، وتمشي بعقول فارغة من كل الأهداف النبيلة التي تستهدف الإصلاح، وتنمية الإنسان، وصياغة عقول الناس، ومحاولة احتضانهم بوعي وإدراك حقيقيين من أجل انتماءاتهم العروبية، والإنسانية، والتفافهم حول قضاياهم في محاربة الجوع، والجهل، والمرض، والتخلف، وانعتاقهم من الداءات، والأوجاع، والأمراض التي تسربلهم من طائفية، ومذهبية، وحزبية، وحركية، ولون، وجنس، وطبقية، وعشائرية، وقبلية، ومرجعيات هي في الغالب خارجية. تستفزك، وتدمر أعصابك لغة السياسيين، وتكاذبهم، وشعاراتهم، واتهاماتهم لبعضهم حتى تكاد أن تشكك في فهمك، ووعيك، واستنتاجك، وتسأل: أيهم الملاك... وأيهم الشيطان..؟! أيهم القديس، وأيهم الزنديق..؟؟ أيهم الطاهر التقي النقي، وأيهم السارق، الناهب، القاتل..؟؟ ثم تصاب بالجنون إذا عرفت أنهم جميعاً ذهبوا إلى «سهرية» واحدة يجتمعون إلى مائدة واحدة، في مكان واحد شهي، يأكلون «الكبة النية» و«السودة النية» والسودة لمن لا يعرفها هي كبد الخروف.. هامش.. مجرد هامش سريع.. - هل لثقافة الأكل النيء، علاقة بسيكولوجية الإنسان، وطبيعة تعاطيه، وممارساته السياسية، وفهمه - أيضاً -..؟؟ هو سؤال، سؤال فقط..!! انتهى الهامش، نقطة على السطر..!؟ أروع ما كان يوم الأحد الماضي أن لزمت البيت، وأعيش مع رائعين قطبا جراحي، وأعادا إلي توازني، وغسلا كل أشكال الاستفزاز الذي لبسني.. عشت مع تلك الرائعة الجميلة التي هي من زمن جميل، ومن خيراته المثرية.. عشت مع السيدة فيروز، وفيروز بلسم جراح، وجالبة للفرح، والسعادة، تنسي الإنسان كل متاعبه وهمومه وأوجاعه.. «يوم جيت أنا لعندكم قبل العشا بنتفي ولقيتكم نايمين وسراجكم مطفي مديت إيدي ع الحبق لاقطف أنا قطفه صحيت بنت لكم يمه، يمه، حرامية..!؟» أما الآخر فهو ذلك المبدع محمد بن لعبون وهذا له حديث..!؟