لعل واحدة من أهم صفات سوق الأسهم السعودي حساسيته الشديدة للشائعات والأخبار الملغمة حتى يبدو في أحيان كثيرة انه سوق «خفيف» تحركه الأهواء بسهولة متناهية رغم ان حجم السوق قد بلغ من الضخامة مبلغاً كبيراً.. ما حدث صبيحة يوم الأربعاء الماضي جعلت هذا السوق الممتلئ، الذي نفخر جميعاً بما وصل إليه من مستويات قياسية وغير مسبوقة من القوة والنمو، كورقة توت في مهب الريح رغم انه لا توجد أية أسباب منطقية لحالة الذعر التي أصابت السوق جراء انتشار عدد من الأقاويل المغرضة و«الكلام الفاضي».. وهذا يبين أن التأثير السلبي على السوق وتركيعه بقوة ما زال ممكناً وقد يحدث في القادم من الأيام مرات ومرات ما لم تعالج بعض العوامل التي تجعل من سوق ضخم للغاية مجرد «بلونة ماء» في فم طفل صغير.. من الممكن أن نعزو وجود هذه الخاصية إلى عاملين مهمين: مشاكل هيكلية في السوق، وضغوط نفسية (سيكولوجية) أصبحت ذات دور كبير في التأثير على السوق. هيكلياً، هناك قدرة عجيبة لدى كبار المضاربين بما فيهم الصناديق لاستغلال تركيبة المؤشر وطريقة حسابه لتركيع السوق إلى مستويات مطلوبة للتجميع عند مستويات أسعار مغرية.. ويزداد طين السوق بلة لأنه لا يوجد صناع سوق حكماء (أو صانع كبير حكيم) للامساك بزمام السوق عندما تحدث حالات ذعر أو انسحابات قاسية (بالماركت) فتضغط على أسعار الأسهم القيادية وعلى المؤشر فيكون الهبوط بمئات النقاط وفي لحظات معدودة.. صبيحة الأربعاء أوصلت عملية الرش الرهيبة سعر سهم الاتصالات إلى 812 ريالاً هبوطاً قاسياً من 874 ريالاً ولم يكن حال سهم سابك أفضل حيث خسر 70 ريالاً في ثواني بفعل عملية (رش) مرعبة.. لذلك جاء المؤشر على رأسه (كجلمود صخر حطه السيل من عل)!! وخسر 800 نقطة في لمح البصر دون أدنى مبرر معقول عدا شائعات وتوهمات وأقاويل غامضة ليس لمفعولها وتأثيرها على السوق حتى لو حصلت سند علمي أو تحليلي مقبول.. هنا تكمن الغرابة في الموضوع وتتأكد الشكوك في وجود رغبة لدى البعض لكسر السوق مؤقتاً للتجميع لأنه لا توجد أصلاً تفسيرات علمية لحالة الذعر خاصة وأن الاقتصاد الوطني قوي ومستقر وينمو بشكل محفز للسوق، والقادم أحلى. في موضوع التأثير النفسي على المتعاملين وتحريك السوق بمجاديف سيكولوجية فإن الحديث عنه «ذو شجون»!! النسبة الكبرى من المتعاملين في السوق هم من صغار المستثمرين الذين لا يملكون تمرس المضاربين وخبرتهم وحيلهم العنيفة والأدهى سيطرتهم المطلقة على المعلومات بدءاً وزمام أسعار الشركات وحركة المؤشر بعد ذلك.. ومما يعقد الوضع ان احجام صغار المتعاملين الضئيلة (بدون وجود أية بوادر للتكتلات أو الإدارة التجميعية للمحافظ) يجعل حرصهم على رؤوس أموالهم يفوق حرصهم على مؤشر السوق نفسه.. إنها مسألة مثل الخروج من مبنى معين في حالة وقوع حريق: الكل يهرول والرعب يملأ الأحداث.. ولا غرو فلن يوجد «خروج» منظم بدون توعية مسبقة (وهنا مربط الفرس)!! يوم الأربعاء، كان الهبوط صاعقاً ليؤثر على نفسيات المتعاملين المرتبكة أساساً وفي حالة ضعف ثقافة وخبرة ونفسيات صغار المتعاملين تم التدافع بالمناكب نحو بوابات الخروج من السوق في وضع هستيري ساهم في تحقيق كبار المضاربين كامل مقاصدهم من استراتيجية (الصدمة والرعب) التي يطبقونها!! تجربة الأربعاء ترسم بشكل لا جدال فيه مدى تأثير السيكولوجيا أو الأحوال النفسية على السوق وهذا مدخل مهم لما يعرف ب «المالية السلوكية» (behavioral finance) وتوضح كذلك الحاجة الماسة لتثقيف وتوعية صغار المتعاملين حتى لا يخسروا استثماراتهم مع أمواج السوق الهادرة صعوداً وهبوطاً..