ما أتعس الشره الاستهلاكي. لقد قتل كل قيم القناعة والرضا بالحال وأصبح الناس أشبه بالمسعورين في ركضهم نحو امتلاك الأشياء ومضغ كل ما يصل إلى الأفواه. لدرجةِ تورّم الأجساد وانتفاخ الكروش وانتشار ما يُسمى بأمراض العصر بسبب فرط السمنة. من يراقب الناس هنا وهم يتسوقون في (السوبر ماركت) زمان و(الهايبر ماركت) الآن تلك التي تبيع كل ما يخطر وما لا يخطر على البال من أنواع الأغذية والأطعمة والمأكولات يصاب بالحيرة و تنزرع علامات الدهشة على قمة رأسه وهو يرى تلك العربات التي تنوء بحملها مما يعُرف من الأشكال والأسماء وما لا يُعرف. هل بالفعل سيأكلون كل هذا ؟؟ أم سيكون مصير معظم تلك الأطعمة لحاويات القمامة!! إنها قمّة الكفر بالنعمة. في رواية زهرة الصحراء التي تحكي أهوال الحياة وصعوباتها في الصومال تسرد بطلة الرواية معاناتها المريرة بسبب ختان الإناث ومن ثم هربها من حياة الرعي في الصحراء إلى العاصمة مقديشو وبعدها لندن ثم أخيرا أمريكا بعد أن أصبحت موديلا وعارضة أزياء شهيرة تقول البطلة " في جانب من العالم نُكافح لإطعام الناس. وفي الجانب الآخر يدفع الناس المال لتخفيف أوزانهم. أشاهد الإعلانات في التلفاز عن برامج تخفيف الوزن فأصرخ : تُريدون أن تفقدوا أوزانكم اذهبوا إلى أفريقيا ستشعرون بأنكم أفضل حالاً وبشعور مختلف أيضا. ستنالون أمرين هامين في وقت واحد. توجّه المؤلفة الصومالية كلامها هذا للأمريكان قبل أن تجتاح الصومال المجاعة بسبب القحط والجفاف وبالتالي موت مئات الآلاف بسبب الجوع. هُنا في بلادنا وفي العصر الحديث بالتحديد لم نعرف معنى الموت جوعاً. نعم هناك حالات فقر لا نخجل من الاعتراف بها لكن لا يموت حتى الفقراء بسبب الجوع. بالمقابل يوجد بذخ وبطر بالنعمة لدرجة وجود مئات المنتجات المعلبة بأشكال وألوان مختلفة لمن ؟؟ لإطعام القطط والكلاب..! أصدقكم القول أنني أحاول قدر إمكاني تجنب الوعظ وإسداء النصائح لكن ما يحدث من شره استهلاكي ليس له ما يبرره يجعلني اشعر بالأسى والحزن على حالنا وتعودنا على رغد العيش وكأن النعمة دائمة لن تزول. لنتمعّن قليلاً في الحكمة القائلة: الجوع لا يقول : "خبز بائت " ولا البرد " ثياب عتيقة ".