من حشو الكلام تكرار مقولة العرب ظاهرة صوتية. حتى نكون منصفين لم يكن العرب وحدهم من تتلبسه شهوة الكلام فهذا زعيم كوبا (فيديل كاسترو) يخطب لساعات طوال وكوبا هي كوبا التي يعرفها الجميع لم تتحول إلى دولة خارقة بسبب تلك الخُطب النارية . وكذا يذكر البعض ذاك المذيع العربي الذي هزم إسرائيل بكلامه في الراديو عام 1967م بينما كان الواقع عكس ذلك تماماً هزيمة نكراء أسموها نكسة. صحيح أن اللسان أداة الكلام وللكلام أهميته في مناسبته ووقته ومعناه، لكن أن يعتقد أحدهم بأنه قادر على بناء مجتمع الفضيلة بالخطب المنبرية وبكلامه المتلفز وادعاء الانتصارات المفبركة وهو يتقلب في النعيم والرخاء المقيم فهو الواهم دون ريب. الكلام العاقل في الوقت المناسب للحدث الواقع أكثر قبولاً وتصديقاً من التهويل والمبالغة حتى ولو استخدم المتحدث سحر البيان. اليوم ومنطقتنا تمور بأحداث جسام ومنعطفات تاريخية بحاجة أكثر من أيّ وقت مضى للتعقل في القول والعمل. رب كلمة أو خطبة أو رأي تتناقلها الوسائل الاتصالية قد تشعل الشارع فهل الوضع اليوم يسمح بأكثر اشتعالا؟ ثم ما الفائدة من إيغار الصدور وتلك العنتريات التي يطلقها البعض بين آونة وأخرى في منابرهم ؟ هل يمكن بناء الأوطان بالشعارات الرنانة والخطب النارية ؟؟ قطعاً لا . لقد ولى الزمن الذي كانت فيه كاريزما الزعيم تتركز على (ذرابة) اللسان والتلاعب بالعواطف من خلال الوعود ومعسول الكلام. نام الشارع العربي على وسائد من حلو الكلام واستيقظ الناس على فواجع وانكسارات وواقع مرير . قال أحد الحكماء في القرن السادس قبل الميلاد إن من يتقن الكلام يعرف كذلك متى ينبغي قوله. واليوم نرى ونسمع كل من يستطيع صف جملتين على بعض يتصدر الوسائل الاتصالية والمنابر ليخطب ويُنظّر. قد يقول قائل ألستم من يطالب بحرية التعبير فكيف يتناسب كلامك هذا وما تدعون إليه ؟؟ أقول بلى نطالب بكفالة وصيانة حريّة الكلام والتعبير لكن حين تصل هذه الحرية إلى إثارة الفتن المذهبية والتحريض على الكراهية وإثارة السخط العام بسبب قضايا هامشية وأحداث طارئة فهنا الاختلاف. نعم لحرية التعبير ، لا للإثارة المؤدية لإشعال الفتن.