يخيل لنا دائما أن الموت وحش كاسر لا يبقي ولا يذر.. وأنه كبير بحجم السماء، قاهر مخيف بحجم الرعب.. ولكنني اعتقده غير ذلك.. قال صلى الله عليه وسلم "أكثروا من ذكر هادم اللذات " ألا تعتقدون أن الإكثار من ذكر الشيء يخفف من الخوف منه ويزيد من فهمنا وتقبلنا له ؟ أعرف من الناس من يحتفظ داخل خزانة ملابسه بكفنه ومتطلبات الكفن من الطيب والسدر وماء الورد وغيرها.. هل تعتقدون هؤلاء يخافون من الموت كما يخافه من لا يذكرونه إلا حين يتوفى لهم عزيز ؟؟ حين كنا أجنة في بطون أمهاتنا كنا نعيش كالسمك داخل سائل يشبه الماء.. لا نعرف الهواء ولا الطعام ولا الشمس ولا الغذاء.. ولو كنا ندرك ونعي حينها وجاء أحدهم يقنعنا أن الحياة الحقيقية في وجود الهواء والطعام والشراب وغيرها من مقومات حياتنا فوق الأرض وأن الذين سبقونا إلى الولادة والوجود لا يستطيعون العيش داخل أي سائل كما هو حال الجنين وأن بني البشر خارج أحشاء أمهاتهم يتنفسون ذلك الهواء الممتع الجميل.. لما صدقنا كل ذلك ولشعرنا بالخوف والرعب من عالم غريب جديد لا نعرفه.. انك تتعلق بنمط الحياة التي تتواجد فيه باللحظة الراهنة وتعتقد أنه الأفضل بالنسبة لك لأنك اعتدت عليه وتحاول بكل جهدك مقاومة التغيير وكل جديد لأنك تعتقد في الجديد إزعاجا غير مرغوب فيه وأخطاراً غير متوقعة. كنا نمرر الماء من جهازنا التنفسي فكيف نخرج لعالم آخر نتنفس فيه ما يسمى بالهواء !؟ كانت الحياة بالنسبة لنا سائلا نعيش داخله، وغذاؤنا عبارة عن دم جاهز يصل أوردتنا، وقد بكينا كثيراً حين فارقنا ذلك العالم نعتقد أن الانتقال إلى وجود آخر مجهول سيكون مخيفاً وربما مؤلماً وبعد فترة بسيطة اكتشفنا جمالاً آخر لعالم الوجود استمتعنا بالهواء الذي أصبحنا نتنفسه والطعام الذي نمضغه ولم نجرب قبلها بلع أو استطعام الغذاء.. كيف كانت التجربة ؟؟ فليسأل أحدكم أي رضيع لم تتجاوز ولادته أياما قليلة عن رأيه بالعالم الجديد الذي يختلف في مواده ومحيطه عما كان عليه.. هل يريد العودة مجدداً إلى ما كان فيه ؟ هكذا أعتقدها حياة الأموات.. عالم آخر يختلف طعامه وشرابه ومادته عما نحن عليه تماماً.. في الأحلام والرؤى.. كيف الإحساس بالعالم والتنقل والحركة والوقت ؟ ألا ترون في الرؤى انتقالكم من بلد إلى آخر بطرفة عين ؟ والناس والحياة كلها مختلفة.. لا حدود مكانية ولا زمانية ولا حتى بيئية.. نراها بأعيننا ونشعر بها ولا أحد يستطيع إنكارها.. حياة مختلفة تماماً نسرد في يقظتنا تفاصيلها وقد نضحك على غرابة ما كنا نفعله بالرؤية من طيران وكلام وأفعال وأحوال.. سبحان الخالق العظيم.. هل رأيتم كم تجربة نحياها.. ؟ وفي كل حياة مميزات وخير وجمال ورحمة ومتعة.. " ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما ".. وقوله صلى الله عليه وسلم " الله أرحم بعباده من هذه بولدها " كتبت مقالي هذا في رسالة أرسلتها إلى نفسي لأخفف عنها ألم فقدان الأمير سلطان رحمه الله رحمة واسعة.. كنت بحاجة لمن يطمئن قلبي وسط زحام البكاء وصوت النحيب والسواد الذي عم ديار المسلمين.. رفقاً يا قومي بقلوبكم انه سلطان الخير.. ما ظنكم برجل عاش في غياهب المرض وهو مبتسم معطاء ؟ إنهم السابقون ونحن اللاحقون إلى عالم آخر أعتقده عالما أفضل وأجمل بين يدي مليك مقتدر.