إسرائيل تراقب وتحرّك جميع حواسها أمام ما يجري في المنطقة، ومشهد الهجوم على سفارتها في القاهرة هو مجرد إنذار للواحق أخرى تخشى أن تكون أسيرة لمواقف سوف يصنعها تيار يمتد من تونس إلى اليمن.. فحزب النهضة التونسي فاز في الانتخابات، وليبيا قد يترشح للبرلمان والدولة إسلاميون حجبهم القذافي طيلة حكمه، ومصر لا توجد قوة تضاهي الإخوان المسلمين والحركة السلفية وهما من يتقاسم مراكز القوة هناك في أي انتخابات قادمة، وحتى في سورية لا يزال التيار الإسلامي هو الأقوى.. إذن فالإخوان المسلمون هم جذر الشجرة، وأغصانها بقية الإسلاميين في المنطقة العربية، وإسرائيل تعرف أن هذه القوة، لايمكن أن تتطابق مع نهجها أو دورها المطلق في فلسطين، وأمريكا تستشعر المأزق، لكنها لا تستطيع وقف هذا الزحف، وكل ما تأمله أن يشكّل الإسلاميون أنظمة تنسجم مع الاتفاقات الدولية، وخاصة السلام المصري - الإسرائيلي.. والقضية الفلسطينية سيصعد الاهتمام بها ليس من منطلق ديني يعادي الصهيونية ولكن لأن إسرائيل تمادت إلى حدود أنها أرادت الاستيلاء على مدينة القدس كلها، وتحويلها عاصمة لها، وتكرار هذا الفعل بمؤازرة أمريكية - أوروبية، حرّك الشارع العربي الذي بطبيعته متدين، ويجد في اليهود أعداءً تاريخيين، وهذا يدعم طروحات أي تنظيم إسلامي أن يجد في رفع هذا الشعار اتجاهاً يكسبهم قوة مضافة، ويعيد لهم الثقة والكرامة.. الطوق الإسلامي، لو حدث فقط من سورية ومصر، فهو يعني عودة محور إسلامي قد يغيّر المعادلات الاستراتيجية كلها على الحدود مع إسرائيل، والتي طالما تعاملت مع حكومتيْ البلدين بالهدنة مع نظام الأسد، والتعامل السري معه من تحت الطاولة، ومع نظام مبارك بما يشبه التحالف والمبايعة المطلقة لها، لكن العلاقة مع أنظمة دكتاتورية، غير التعامل مع تيار إسلامي يتشابه في الطروحات والأهداف، ولا يلتقي مع الموقف الإسرائيلي اليميني المتطرف.. إسرائيل من جانبها تحاول حشد قوى أفريقية مجاورة أو متداخلة بالثروات المائية، والتي تدين بالمسيحية، لأنْ توجد طوقاً آخر مقابل الأسلمة السياسية، لتضغط دول مصب حوض النيل على مصر، وتحرّك دول أوروبا بأن تشترط اتجاهاً معتدلاً في تونس لا يعاديها أو يرفع شعارات مضادة لها، باعتبار أوروبا هي مركز الثقل للاقتصاد التونسي، وتبقى سورية محور الصراع، لأن سقوط الأسد، ووصول أي تنظيم حزبي إسلامي راديكالي، أو معتدل، هو دعم لمواقف تركيا وفلسطين معاً، وتبقى حماس، المقلقة في أوج قوتها إذا ما وصلت حكومات إسلامية إلى إنشاء حلف بهذا الحجم والقوة يدعم توجهها وأهدافها.. قطعاً المنطقة تواجه تقلبات غير مسبوقة، لكنها لا تسر إسرائيل بحال، لأنها حاربت وتعايشت مع حكومات انقلابية، وهي في الوضع الراهن تواجه ثورات شعبية، وكما أنها ظلت تخشى إيران بحسب تجاذب المواقف، ومن سلاحها النووي، فبلدان الطوق العربي أكثر إخافة وفزعاً على المدى البعيد.. الشهور القادمة ستفرز أنماطاً جديدة لأنظمة محسومة للإسلاميين، ولن تكون القوى السياسية الأخرى قادرة على نزع ثقة الشارع من الإسلام السياسي، وفي كل الأحوال إسرائيل لا تريد حكماً ديمقراطياً أياً كان اتجاهه، وإنما دكتاتوريات تتعامل معها بلا خسائر..