لاحب بلا غيرة.. كما أنه لا نار بلا دخان.. ونار الغيرة - إذا كانت معقولة - تجعل العواطف أكثر دفئاً وحرارة.. والأشواق أقوى اضطراماً.. والأوقات أكثر إثارة. ومع أن الحب والغيرة يولدان معاً.. إلاّ أنهما لا يموتان معاً.. الحب أقصر عمراً.. والغيرة أطول (عمر الشقي بقي). قد يموت الحب وتبقى الغيرة.. وخاصة عند بعض النفوس العجيبة.. فحتى بعد الفراق أو الطلاق لا يزال يغار عليها أو تغار عليه مع أنه لم يعد هناك حب.. ولا ارتباط.. خلاص! لكن بعض النفوس لا تعرف الخلاص من الغيرة.. وتشتعل الغيرة عند هؤلاء، رغم الفراق والطلاق وموات الحب، بفعل الخيال.. واسترجاع ماضٍ تولى.. وتخيّل ما كان.. وما يكون.. النفس البشرية أغرب مما تظن.. والعواطف أكثر تعقيداً مما تظن.. وقد لا يوجد عند بعض العاطفيين قاطع كهربائي يفصل الكهرباء إذا حصل الالتماس وانفصمت العلاقة وانفصلت الأرواح فتظل كهرباء الغيرة تنتفض في دمه وتنفض خياله. أما المحب الولهان فقد يغار حيث لا يوجد للغيرة تصور واقعي.. فقد كان مصعب بن الزبير وسيماً طويلاً ورجلاً نبيلاً وأميراً للعراق فكان جميل بثينة يقول: كلما رأيت مصعب بن الزبير يختال في البلاط غرت على بثينة وبينهما آلاف الأميال. وقد تغار المتيمة بزوجها عليه حتى من نفسها كما قالت حفصة بنت الحاج: أغار عليك من نفسي ومني ومنك ومن زمانك والمكان ولو أني خبأتك في عيوني إلى يوم القيامة ما كفاني يا ساتر!!