في محاكمات، يرشحها خبراء الشأن الأمني، ومختصون في قضايا الإرهاب والمساس بأمن الدولة، لأن تمتد إلى شهور، لتشابك المعلومات فيها وتعقدها، شرعت أمس السبت، محكمتان جنائيتان جزائريتان تابعتان لمجلس قضاء العاصمة وقسنطينة بالشرق الجزائري، في النظر فيما يزيد على 30 قضية إرهابية، تورط فيها ما يزيد على 250 إرهابيا بتهمة «الانتماء إلى مجموعات مسلحة وتنفيذ أعمال عنف وتخريب» و«تشكيل شبكات إسناد ودعم للجماعات الإرهابية». وتكمن الأهمية التي تكتسيها هذه المحاكمات في كونها تعيد إلى السطح ثلاثة أسماء لها سجلات إجرامية إرهابية تعدت حدود الجزائر، هي طرف رئيسي بل الرأس المدبر لعدد من العمليات الإرهابية التي هزت الجزائر طيلة العشرية السوداء بدءا بالاغتيالات والمجازر الجماعية وانتهاء بالحواجز الأمنية المزيفة والكمائن التي استهدفت العسكر وقوات الأمن، مرورا بعمليات الابتزاز المالي الذي مارسته الجماعات المسلحة على التجار والمسافرين والفلاحين وأصحاب الأملاك، وكانت وراء تزودهم الدائم بالعدة والعتاد الحربي ما زاد في مقدراتهم على إلحاق المزيد من الأذى بالعزل والأبرياء. وتتمثل هذه الأسماء في مؤسس تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال وأميرها الوطني الأسبق حسن حطاب، الذي تردد أنه ينتظر فقط الترتيبات الأمنية المناسبة لمغادرة الجبال والاستسلام بعدما أبدى في بيان يحمل توقيعه نشرته الصحافة الوطنية استعداده «التفاعل إيجابيا» مع مسعى الرئيس بوتفليقة للمصالحة الوطنية والعفوالشامل، يليه «عماري صايفي» المدعوعبد الرزاق البارا، المظلي السابق الهارب من القوات الخاصة العام 1992 قبل أن يلتحق العام 1993 بالجماعة الإسلامية المسلحة «الجيا»، ويعد البارا الرقم الثاني السابق في التنظيم السلفي، الذي سلمته السلطات الليبية في 27 أكتوبر 2004 إلى الشرطة القضائية الجزائرية في إطار التنسيق الأمني بين البلدين، ولم يخف عماري صايفي خلال اعتقاله في التشاد صلته بالرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وعلاقته بتنظيم أسامة بن لادن وخلاياه بدول الساحل الصحراوي في إفريقيا، ويعتبر البارا ثاني أهم مسؤول في التنظيمات الإرهابية الجزائرية يتم تسليمه لمصالح الأمن الجزائرية بعد «عبد الحق العيادة» الأمير السابق للجماعة الإسلامية المسلحة «الجيا» الموجود حاليا بسجن سركاجي بالعاصمة بعد تسلمه العام 1993 من قبل السلطات المغربية. ولعل أهم ما يرشح هذه المحاكمات لأن تستمر شهورا طوالاً، ارتباطها بالاسم الثالث الذي ظل لسنوات طويلة محل بحث من قبل السلطات الأمنية الجزائرية قبل إصدار أمر دولي للقبض عليه، ونعني الإرهابي عبد المجيد دحومان المدعو«الروجي»، الشريك المفترض لأحمد رسّام، الذي تمت محاكمته في الولاياتالمتحدةالأمريكية بتهمة الضلوع في مخطط لمهاجمة عدد من الأماكن الإستراتيجية في واشنطن بعد القبض عليه في 14 ديسمبر 1999 على الحدود الأمريكية الكندية وبحوزته حسب الرواية الغربية كمية هائلة من المتفجرات. وتوجه للإرهابي عبد المجيد دحومان (38 سنة) الذي اعتقل بضواحي العاصمة الجزائر في 25 مارس 2001 إثر عمليات بحث ترصدت تحركات ونشاط خلية تابعة للجماعة السلفية، ثلاث تهم رئيسية «الانتماء إلى مجموعة إرهابية تنشط في الخارج» و«التورط في محاولة تنفيذ اعتداءات ضد مصالح وطنية وأجنبية» و«الانتماء لخلية تابعة لتنظيم القاعدة في أوروبا». ولا تتردد مصادر قضائية في التأكيد على احتمال تأجيل جلسات المحاكمة المرتبطة بالإرهابي عبد المجيد دحومان، وإرجائها مجددا إلى حين استجماع كافة تفاصيل ملفه الذي ما تزال تلفه الضبابية التي كانت سببا في التأجيلات المتكررة منذ مايو 2004. فضلا عن «الاهتمام الصريح» الذي توليه إدارة واشنطن لهذه المحاكمة، وتعكسه المشاركة التي قام بها محققون أمريكيون في جلسات الاستماع التي خضع لها دحومان على مدار السنوات التي تلت اعتقاله. وكانت الإدارة الأمريكية رصدت قبل نحو5 سنوات، مكافأة مالية فاقت 5 ملايين دولار، لكل من يساعدها على الوصول إلى دحومان الذي نعتته ب «الشخص المهمّ» و«الإرهابي المطلوب»، وهذا بعدما كشفت تحقيقات أجريت معه أنه زار معسكرات تدريب في أفغانستان التي وصل إليها عبر عواصم أوروبية من بينها ألمانيا وبلجيكا باستعمال جوازات سفر مزورة، وأنه يرتبط بعلاقة وطيدة بأحمد رسّام، وقيادات في تنظيم أسامة بن لادن، وهو ما دفع بالسلطات الأمريكية إلى إصدار مذكرة جلب دولية في حقه بتهمة «الانتماء إلى جماعة إرهابية تهدد المصالح الأمريكية في العالم». وكان أحمد رسّام الذي تطلق عليه المخابرات المركزية الأمريكية اسم «مدبر تفجيرات الألفية»، اعترف بعدما قبل التعاون مع المحققين الأمريكيين أملا في الاستفادة من إجراءات تخفيف العقوبة، أن دحومان المدعو«الروجي» كان على صلة وطيدة به، وأنه تقاسم معه غرفة في أحد فنادق مدينة فانكوفر الكندية، وهي الغرفة التي تم العثور فيها على بقايا مواد كيماوية لصنع المتفجرات، ولقد اتضحّ لاحقا في أعقاب التحرّيات أنّ دحومان نشط بألمانيا، وكان عضوا فاعلا في خلايا القاعدة بأوروبا، التي كان يتزعمها الجزائري المدعو«أبودوحا» بالعاصمة البريطانية لندن. ويتزامن انطلاق الدورة الجنائية التي تتميز بالنظر في كبرى قضايا الإرهاب بالجزائر، مع حملة تمشيط عسكرية واسعة قامت بها قوات الجيش الجزائري منذ عدة أشهر تكللت بتحديد تواجد ما يزيد على 50 عنصرا من تنظيم ما يسمى ب «جماعة السلفيين الأحرار» التي تشكلت منذ عامين لزعيمها أبو أمير الوهراني، تجري محاصرتهم حاليا بمرتفعات الجهة الشمالية الشرقية من ولاية جيجل (350 كلم شرق العاصمة)، ودعوتهم لتسليم أنفسهم وتحرير النساء والأطفال الموجودين معهم قبل إعطاء الضوء الأخضر لقنبلة مواقعهم.