أحيانا، بل وفي كثير من الأحيان، يكون التسمر أمام التلفاز، أيامَ العيدِ لمشاهدة مسرحية "باي باي لندن" أو "شاهد ماشافش حاجة" أو حتى "مدرسة المشاغبين"، للمرة العشرين أو الثلاثين!؛ خيرٌ من النزول والتورط في حضور مسرحية من المسرحيات الاجتماعية الكوميدية "الهاااادفة".. جداً. إذ تكفي الدقائق الأولى من هذه النوعية "الهادفة" من العروض المسرحية، لكشف زيف الصفة والعنوان (هادفة)؛ وللأسف هذا ما حدث ويحدث خلال مواسم الأعياد والعطلات بشكل عام؛ صفقاتُ مسرحية ربحية، تُحَضر على عجل؛ نجمٌ تلفزيوني يستجلب من خارج البلاد، جمهورٌ متعطشٌ لمشاهدة ومقارنة فارق مقاسات هذا النجم بين ظهوره داخل، تلفزيون "32" بوصة وبين إطلالته على المسرح الجماهيري، التجاري "العريق"؛ وفي الحصيلة النهاية، عروضٌ هزيلةٌ، خاويةٌ من أي مضمون، سوى عندما يتبارى الممثلون "الهادفون" فيما بينهم وهم يحملون الأوزان "الأثقل في الدم" عبر إلقاء "أوفيهات" نكات سمجة تزيد من تسلل المشاهدين إلى خارج المسرح، هروبا من جحيم السذاجة العالية. المفارقة أن القائمين والقوامين على إقامة حفلات "التهريج" المسرحية هذه، عادة ما يؤكدون على ضرورة أن تكون المسرحيات الكوميدية "هادفة"؛ وهم في نفس الوقت، يستجلبون نجوم "التهريج والإسفاف" من المسرح التجاري الكويتي. إذ، لا يمكن أن نتخيل إقامة مسرح كوميدي فني وخلاق ويكون نجمه "ممثل" يأتي قبل العرض المسرحي بثلاثة أيام ويتم العرض "باستلام" زملائه الممثلين، بالسخرية والكلام البذيء والإيحاءات التي ترتقي عنها الأذن المهذبة. ربما هناك من يقول إن البدائل ليست بالضرورة كثيرة خلال العيد، وخاصة للشباب، فمشاهدة طارق العلي والبلام والعقل؛ أفضل من الجلوس في البيت. حسنا قد يكون هذا الكلام على حق، لو أن منتجي الأعمال المسرحية، كانوا من أصحاب الحس الفني، وهيأوا الشروط الفنية اللائقة لحضور ومشاركة هؤلاء النجوم في عروض مسرح العيد؛ فحسن البلام أو طارق العلي، ليسا مهرجين من حيث المبدأ، ولكن إذا دعوت العلي لمسرحية ولم يجد نصا محكما يتقيد به، ولا وقتا للبروفات وتركته على المسرح بلا حدود لشطحاته، فإنه بلا شك سيأخذ أحد الكومبارسات، (وهو في الأغلب ممثل سعودي لم يصدق هذه الفرصة!) ليتلاعب به سخرية، يمينا وشمالا؛ ولتتحول المسرحية في الأخير إلى حالة من الهرج والمرج.. تحت شعار " المسرح الهادف"!. المسألة الأخرى حول مسرحيات المواسم، هي الجمهور، إذ يجب أن لا نغفل أن عموم جمهورنا لا يعرف التقاليد المسرحية ولا كيفية التواجد أو المشاركة داخل هذه العمارة الفنية الأقدم في التاريخ (المسرح)؛ ربما لأن العروض المسرحية الموجودة من هذه النوعية التهريجية وهي أيضا حالة موسمية أو لأن ما يقدم ويشاهد عبر التلفاز متدني المستوى.. أياً يكن السبب؛ فالنتيجة أننا إذا أردنا أن نرتقي بجمهورنا وبذائقته البصرية، فعلينا أيضا أن نحضر ونختار عروضا مسرحية راقية وذات جودة فنية وأن نضخ لها حملة دعائية للحضور والمشاهدة. هكذا سنرتقي بالجمهور وسنرسم البهجة ونعم الفائدة ونبني تراكما حقيقيا يتطور وينهض بالجمهور مع الزمن، خيرٌ من الإصرار على إقامة هذه العروض المسرحية الاستهلاكية؛ وهذا الأمر، في الحقيقة، هو مسؤولية أمانات المدن وهيئات السياحة، التي يتعين عليها أن تعيد النظر فيما يقدم من مسرحيات، وخاصة تلك التي تنساق وراء رغبات الجمهور في استجلاب النجوم فقط، لدواع تسويقية، ولو على حساب القيمة العليا للفن والذائقة الفنية واحترام مشاعر وآداب وثقافة وأخلاق المجتمع وذلك ضمن عروض عادة ما تحمل صفة "الهادفة"؛ هذه الكلمة التي أشبعت استغلالا في المسرح الجماهيري منذ زمن مسرح إسماعيل ياسين في مصر. حسنا، ولأننا في أيام العيد، لا نريد أبدا أن نكون سوداويين؛ من هنا نتمنى حقا أن تقدم في مدننا عروض مسرحية كوميدية، ضاحكة ترسم الفرح والسعادة في وجوه الصغار والكبار، وإلى أن نشاهد هذه العروض "النادرة" سنبقى نحتفظ بذلك الطقس "البيتوتي" الكلاسيكي ما بعد ظهر أيام العيد، أعني مشاهدة الإعادة "الأربعين" وربما "الخمسين"، لمسرحيات حفظناها عن ظهر قلب، وبقيت عادة من عادات زمن ما قبل الفوضى الفضائيات.. "العيال كبرت".. "سوق المناخ".. "على هامان يا فرعون".. "عائلة ونيس" وكوكبة من المسرحيات الكوميدية التي تصلح لهذا العيد ولكل عيد..! علي سعيد