الحمد لله رب العالمين الذي جعل يوم الجنائز مقياساً للحب والكره (فمستريح ومستراح منه) فأما الأشقياء والأشرار فتتلقفهم سباع البر أو البحر دون أن تهتف لهم القلوب إلا بالبغض والشعور بالراحة منهم، وأما الأبرار الأخيار فتشيعهم القلوب عرفاناً بطيب فعلهم في الدنيا ورجاءً لرحمة ربهم في الآخرة وراحتهم من وصب الدنيا. وفي هذه الحياة أعلام ذوو خصال يتميزون بها عن غيرهم، يستمد الإنسان المتأمل من سيرتهم العبر ويستضيء بنور تجاربهم في دروب حياته. والأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله - واحد من أولئك الأعلام الذين اتصفوا بصفات شخصية رائدة وكانت لهم في الحياة تجارب خصبة يستلهم منها العقلاء دروساً مثمرة ليحققوا في ظلالها نجاحات باهرة، فالرجال ألف برجل ورجل بألف.. وقد كان سمو الأمير سلطان - رحمه الله - رجلاً بألف ألف رجل، أحب الناس فأحبوه وأكرمهم فتعلقوا به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير أمرائكم الذين تحبونهم ويحبونكم) اللهم فاشهد أن سلطان بن عبدالعزيز كان أميرنا الذي أحبنا فأحببناه اللهم فأمطره بشآبيب رحمتك ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وثبته عند السؤال فهو الآن بحاجة لهذا الدعاء وهو حق له علينا، اللهم اخلف هذا العز عليه بأن ترفع منزلته عندك واخلفه علينا بصلاح عقبه وسيرهم على منهجه. إنها لفجيعة كبرى أن نفقد إنساناً بقامة سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله - كان مثالاً للرجل القائد بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان تبرز حقيقة القيادة، وبكل ما يمكن ان تصل إليه دلالاتها من التأثير القريب والبعيد في الآخرين، فكيف وقد أنزل الله له مهابة في نفس من يتعامل معه؟ لكننا لا نقول إلا ما يرضي ربنا (إنا لله وإنا إليه راجعون). ماذا أقول عن أثر سلطان - رحمه الله - ولو لم يترك سلطان القلوب إلا (مدينة سلطان الإنسانية) التي تتبوأ مكانة عالمية عالية في الرعاية والتأهيل لكفاه فخراً ورجوناه أعظم أجراً فكيف وهو قد أنشأ (مؤسسة الأمير سلطان الخيرية) وأوقف كل ما له في سبيل الله لهذه المؤسسة الإنسانية النبيلة فكرة وفعلاً. لقد اشتهر ببسمته الحنون ولست أرى هذه المؤسسة العملاقة إلا استمراراً لبسمته تشرق كل يوم في جبين المستفيدين من هذا الصرح المشيد. سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله - نهض بأعباء ومسؤوليات عظيمة لأمته ووطنه فله في كل مكان من العالم الإسلامي مضرب خير وبر، وله في معظم دول العالم أثر بالغ في نفع الإنسان حيث هو إنسان له كبد رطبة فيها الأجر. لست معنياً بذكر محاسن هذا الإنسان وإن كان هذا مقام هذا الذكر لكن الاستقصاء مستحيل وضرب الأمثلة يطول وليس هناك أحد في هذه البلاد وخارجها إلا ويعرف الكثير عنها. للأمير سلطان - رحمه الله - في الدعوة إلى الله قدم صدق اسأل الله عز وجل أن يضاعف له أجرها في عليين، غير أنني سأقف عند حادثة واحدة فقد ذكر لهذا الأمير النبيل أن اليابان بلد مسالم ومنفتح على الثقافات الأخرى غير أن الثقافة الإسلامية لاتحظى بحضور يناسب أهمية وحضارة الإسلام فما كان منه - رحمه الله - إلا أن قام بزيارة اليابان فكان لهذه الزيارة الأثر العميق في اعطاء صورة زاهية عن الإسلام والمسلمين والحضارة الإسلامية. أما في سياسة هذه البلاد والحفاظ على أمنها ووحدتها فقد كان سلطان رجل المسؤوليات الصعبة والمواقف المشهودة حنكة وسياسة تعلمها في مدرسة أبيه المؤسس وأعانه على تحقيقها إخوته الأفاضل رحم الله أمواتهم ووفق أحياءهم. عرف عن سلطان الكرم حتى أصبح لقب (سلطان الخير) و(سلطان البر) يكاد إذا أطلق لا ينصرف إلا إليه. وفي مقام الحديث عن سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله - لابد من التأكيد على خصلة كريمة تميز بها هذا الأمير الإنسان؛ فقد جسَّد - صدقاً وعدلاً - اللحمة المتينة بين الأمراء والعلماء، حيث كان يقرّب العلماء ويبالغ في إكرامهم ويستشيرهم ويرد مواردهم التي يشيرون عليه بها. وهناك نقطة جديرة بالاهتمام لفتت الانتباه في المسجد الذي شيع فيه إلى قبره وليس هو مثواه الأخير بل أسأل الله عز وجل أن يكون مثواه الأخير جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ذلك أننا رأينا الجموع الغفيرة في وداع الأمير سلطان - رحمه الله - تتجشم الصعاب لتكون قريبة منه، ولم تكتف بالصلاة عليه في المساجد القريبة منها والصلاة تقام عليه في جميع مساجد المملكة. تلك النقطة التي أود التنبيه لها هي ضرورة أن نربي الناشئة على هذا الحب الذي رأيناه هذا اليوم وهو هكذا كل يوم بين قيادتنا الرشيدة التي تطبق شرع الله، وبين هذا الشعب الوفي الذي يدين لها بالولاء بحكم هذا الشرع الحنيف. نربي الناشئة على أن من زرع البر والخير كما فعل سلطان فسيجني الحب كما جناه سلطان - رحمه الله - ومن زرع الشر والسوء فسينبذ كما نبذ آخرون رأيناهم من حولنا ينبذون ويهانون في جنائزهم. وسلطان - رحمه الله - قد أقبل على رب كريم رحيم، والرسول صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه عندما مرت عليهم جنازتان فأثنوا على إحداهما وذموا الأخرى: (أنتم شهود الله في أرضه) فهذا الثناء الحسن والذكر الطيب والدعاء الصادق الذي نراه ونسمعه من الناس بحق سلطان رحمه الله إنما هو يبشر بحسن حاله عند قدومه إلى ربه. وهكذا يجب أن يفهم الكبار أن يوم تشييع سلطان - رحمه الله - كان تأكيداً على الرابطة المتينة من الحب بين الشعب وقيادته وثمار هذا الحب يقيناً ليس إلا استمرار رحمة القيادة بالشعب وعمق ولاء الشعب لقيادته. رحم الله أميرنا الغالي ورزقه الثبات عند السؤال وأسكنه الفردوس من الجنان. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. * عضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية