آل مجثل يباشر مهامه بفرع البيئة ويؤكد تعزيز العمل الجماعي    السعودية قائد عالمي في مجال الأصول الحقيقية الرمزية    UNIDO: السعودية أنموذجا لتحقيق صناعة مستدامة    وزير الخارجية: نواصل العمل مع G20 لتعزيز منظومة اقتصادية أكثر شمولا    الشباب يتعادل مع الأخدود إيجابياً في دوري روشن للمحترفين    تحت رعاية ولي العهد .. وزير العدل يفتتح المؤتمر العدلي الدولي الثاني    الإعلام الإيطالي ينبهر بالزعيم: الهلال لا يعرف السقوط تحت قيادة إنزاغي    مستشفيات د. سليمان فقيه ضمن قائمة أفضل المستشفيات المتخصصة في الشرق الأوسط لعام 2026    فريق طبي بمستشفى جازان العام ينجح في علاج حديث ولادة يعاني من تشوّه خلقي رئوي كبير    أمير جازان يطّلع على برامج ومبادرات جمعية التغذية العلاجية بالمنطقة    السعودية لا تتحرك بوصفها دولة تبحث عن مكاسب آنية بل قوة تحمل رؤية طويلة الأمد    وزير العدل: نعمل على انتقال البورصة العقارية إلى هيئة العقار    أمير الرياض يستقبل مدير عام السجون المكلف    أمير الشرقية يدشّن الجسر البحري بين صفوى ورأس تنورة ويبحث مع وزير النقل تنظيم سير الشاحنات    نيابةً عن ولي العهد.. وزير الخارجية يشارك في جلسة اليوم الثاني لقمة مجموعة العشرين    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة    نائب أمير حائل يستقبل نائب الرئيس التنفيذي للمؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام "إخاء"    القصيم: فرع الاسلامية يحصل على شهادة الامتثال الاسعافي    رؤية عابرة للحدود تعيد رسم خريطة الشرق الأوسط    أمير نجران يستقبل القنصل العام لجمهورية فرنسا    قنصل عام فرنسا بجدة يستضيف خريجي الجامعات الفرنسية في أمسية مميزة ب«دار فرنسا»    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية ترصد أول ظهور للنسر الأبيض الذيل في السعودية منذ 20 عاما    أكثر من 100 عمل بمعرض الفن الإسلامي    افتتاح متحف البحر الأحمر بجدة التاريخية في 6 ديسمبر    بن حفيظ افتتح موسم شتاء مرات السادس.. ويستمر للجمعة القادمة    روبن نيفيز.. سيد الجزائيات وحاسم الهلال في اللحظات الحرجة    دوريات الأفواج الأمنية بمنطقة عسير تقبض على شخص لترويجه (23) كيلو جرامًا من نبات القات المخدر    بدء طرح تذاكر كأس آسيا تحت 23 عامًا "2026 السعودية"    في الجولة ال 13 من الدوري الإسباني.. قطبا العاصمة خارج الديار أمام إلتشي وخيتافي    هنأت الرئيس اللبناني بذكرى استقلال بلاده.. القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة إبراهيم بن حمد    وزير الدفاع الهولندي: تعليق عمليات مطار أيندهوفن بعد رصد طائرات مسيرة    هزة أرضية بقوة 4.4 درجات تضرب شمالي العراق    مقتل 8 مسلحين في عملية للجيش الباكستاني شمال غربي البلاد    الداخلية: إهمال الطفل يعرضك للمساءلة القانونية    العقيل يحتفل بعقد قران عبدالله    عريس يشارك فرحته مع المحتاجين    منديل كشافة شباب مكة على صدور المديرس وهجاد وعمر    «واتساب» تتيح إنهاء صلاحية الرسائل تلقائياً    روبوت صيني يمشي لمسافة 106 كيلومترات    الجيش السوري و«قسد» يتفقان على وقف التصعيد بالرقة    القيادة تعزي ملك مملكة البحرين في وفاة سمو الشيخ إبراهيم بن حمد بن عبدالله آل خليفة    3.2 تريليون ريال سيولة في الاقتصاد السعودي    أحمد أمين يصور«النص 2» مطلع ديسمبر    «وسم الثقافي» يكرم الشاعر أبو زيد    الإسكندراني يستعرض تاريخ الأغنية السعودية    ضمن فعاليات موسم التشجير الوطني.. «الري» تستهدف زراعة 2 مليون شجرة    دكتورة سعودية ضمن القادة العالميين المؤثرين    ملصقات العقوبات في مرافق الصحة.. مخالفة    السجائر الإلكترونية تحتوي على جراثيم خطرة    للفترة الثانية .. "الرياضة" تعلن نطاق شهادة الكفاءة لأندية "روشن"و"يلو" لموسم 2025-2026    الأحمدي يكتب..جماهير الوحدة تُعيد ماضيها!    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    كتاب التوحد في الوطن العربي.. قراءة علمية للواقع ورؤية للمستقبل    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    الشيخ صلاح البدير: الموت محتوم والتوبة باب مفتوح لا يغلق    الشيخ فيصل غزاوي: الدنيا دار اختبار والصبر طريق النصر والفرج    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات الحج

لقد كان الاطفال، أكثر الناس فرحا بموسم الحج، فهم يتوقعون الهدايا بعد عودة الحجاج، وينتظرون «الكاميرا» التي تحمل داخلها صور الكعبة والمشاعر المقدسة، وينتظرون «حكايات الحج» التي سيرويها من مروا بالصعوبات التي كان عليها الحج في السابق
يصعب أن يمرّ موسم الحج دون أن نتذكر حكايات مرت علينا أثناء هذا الحدث العظيم، حتى أولئك الذين لم يكتب لهم الحج بعد يتذكرون هذه المناسبة العظيمة، فعاطفتهم، تدفعهم للمشاركة في الحكاية حتى لو يعيشونها فعلًا. أتذكر على المستوى الشخصي كيف كان الحجاج يستعدون للذهاب إلى مكة، ففي حارتنا في حي النعاثل بالهفوف كانت هناك حملة ناصر العبدالله الملحم، وأذكر أنني عندما كنت صغيرا كنت أساعد الحجاج في حمل أمتعتهم، وكان أغلبهم من الأهل والأقارب. تلك الحملة مازالت حكايتها تسرد في المجالس، فطريق الحج مليء بالمفاجآت. لقد كانت تجمع الأمتعة في شاحنة مرسيدس كنا نسميها "سبعطن" إشارة إلى حمولتها "السبعة طن" وكانت "باصات" الركاب مع الشاحنة تتجمع في ساحة قريبة من بيوت الحارة كانت تسمى "الهدام" وهي منطقة مفتوحة كانت تفصل حي النعاثل عن حي الكوت قبل أن تهدم اسوار المدينة وقد احتلها البنك الأهلي في الوقت الراهن.
تلك الذكريات مازالت حاضرة في ذهني لأن حدث الحج كان يمتد لأيام وكانت الشاحنة والباصات تبقى ليوم أو يومين حتى يكتمل الاستعداد للسفر وكان كل ابناء وبنات الحارة يخرجون "للهدام" من أجل توديع واستقبال الحجاج.
لقد كان الاطفال، أكثر الناس فرحا بموسم الحج، فهم يتوقعون الهدايا بعد عودة الحجاج، وينتظرون "الكاميرا" التي تحمل داخلها صور الكعبة والمشاعر المقدسة، وينتظرون "حكايات الحج" التي سيرويها من مروا بالصعوبات التي كان عليها الحج في السابق، لكن الناس يتذكرون الصداقات التي عقدوها مع من رافقهم، فهم يعيشون في خيمة واحدة وتنصهر في تلك الايام القليلة كثير من الفروقات التي يضعها الناس بينهم، ويرون مواقفهم مع من قابلوهم من الدول البعيدة، فتلك الحكايات كانت تشبه "الف ليلة وليلة" تروى كلها في بضع ليال في "منى". حكايات المبيت في منى على "السرج" وتلك الليالي التي يمضيها الحجاج في العبادة والسمر كانت تولد آلاف الليالي وآلاف القصص، إنها حكايات لا تنسى تظل عالقة بالذهن حتى نهاية الحياة.
"سيرة الحج"، إنسانية ومكانية، فتغير الناس رغم ثبات الأمكنة يجعل من المكان مكتظا بالقصص، فلا توجد قصة واحدة في المشاعر ولا توجد صورة واحدة للحرم، بل إن الناس يشكلون الصورة البصرية العالقة في الذهن يعيدون تعريفها كل مرة ويحملون منها حكاياتهم إلى بلادهم.
في القاهرة الاحتفال بالحج يمثل "طقسا خاصا" إنه جزء من احتفالية المدينة كلها بهذا الحدث العظيم، على ابواب البيوت وعلى الجدران تظهر الرسومات التي تصور الكعبة وتصور طريقة السفر إلى مكة، سوف تجد على نفس الجدار صورة باخرة وطائرة، فلكل حاج وسيلة سفر، ولكل واحد منهم حكاياته التي سيجلبها معه من البيت الحرام والمشاعر المقدسة.
تصوير تلك الحكايات عادة مصرية قديمة إنه "احتفال بصري" بالحج، والحقيقة أن موسم الحج نفسه يتميز بكثافة الصورة البصرية لأنه يتجدد بتجدد الحجاج وبتنوع ثقافاتهم، إنه تجمع إنساني يعطي المكان بهجة وحياة وكأنه "معرض" للثقافات. وهذا ما يجعل حكاية الحج متجددة، فليس ما شاهدته في موسم الحج الفائت سوف يتكرر هذا الموسم، رغم أن الطقوس هي نفسها لا تتغير، لكن الذي يتغير صورة الانسان نفسه الأمر الذي يجعل من الحج مجالا للتوافقات الانسانية والحوار الثقافي ودمج المحليات في محلية واحدة يمكن أن نطلق عليها "محلية الحج"، وهي محلية خالدة ومتجددة وتستوعب دائما الجديد تصهره وتذوّبه وتجعله ضمن "خصائصها" إنها "محلية متجددة للإنسان بشكل عام" وليست محلية تختص بالمكان ومن يسكن فيه بشكل دائم.
لعلي أسأل ماهي الحكايات الجديدة التي سيقدمها الحج هذا العام بعد اكتمال قطار المشاعر، ما الذي سيحمله الحجاج معهم بعد كل هذه التحولات الكبيرة التي تشهدها الخدمات الخاصة بالحج، كيف ستنفصل الحكايات القديمة عن الحكايات الجديدة؟! فأنا قد أديت فريضة الحج قبل عشرين سنة وكانت مليئة بالحكايات اليومية، لقد مشيت على قدمي من عرفات إلى المزدلفة وواجهت صعوبة كبيرة في رمي الجمرات لكنني حججت في العام الماضي، وكان قطار المشاعر بدأ مرحلته الأولى، فلم أشعر بتلك الصعوبات ابدا، انتقلنا بين المشاعر في بضع دقائق وجسر الجمرات الجديد وضع حلا جوهريا للازدحام، فصرنا نرمي الجمرة ونحن نعلم اين ستقع، تبدلت الحكايات وتغيرت الصورة، لكن الحج يظل حاضرا في الذهن، فقد صادفنا المطر والرعد والبرق بشكل مخيف في موسم الحج الماضي وكنا نرمي الجمرات.
لقد تخيلت الحجاج في السابق وهم بلا غطاء، لأن الخيمة الكبيرة المنصوبة في الجمرات حمتنا بعد الله من هذا المطر الغزير، وتخيلت تلك الطرق المبللة الممتلئة بالطين أثناء مواسم المطر. أنا على يقين أن غيري سوف يتذكر كيف كان الحجاج يتحملون أشعة الشمس، والحرارة الشديدة، وكيف كانت تلك الصعوبات تزيدهم التئاما وتماسكا.
الحج بكل صعوباته يحفر قصصه في الذهن وكأنه ينحتها في الحجر، من تعيش معه في خيمة واحدة في الحج تظل تتذكره طوال عمرك، لأنه يتحلل من كل ضغائنه ومن أنانيته ويعود إلى إنسانيته الأولى، فكما أنه يتجرد من ثيابه فهو يتجرد من "رغباته" التي عادة ما تحوّل الانسان إلى كائن منحاز لنفسه.
أذكر أنني مشيت من منى (الجمرات) متجها إلى مكة لتأدية طواف الوداع، الطريق لم يكن صعبا، رغم أنني ارى أن قطار المشاعر لابد أن يصل إلى منطقة الحرم بأسرع وقت ممكن فهذا سيحل الكثير من الاشكالات وسيخفف الازدحام، كما أنني طفت الوداع في السطح واكتشفت أن سطح الحرم بحاجة إلى إعادة تصميم بالكامل فهناك عوائق (خصوصا مناطق السلالم والمصاعد) يمكن معالجتها. بالنسبة لي يمثل الحج "عمارة إنسانية" يختلط فيها الإنسان مع المكان بكل روحانيته وبكل صوره المكثفة في الاذهان وبكل الوجدانيات التي يحملها الحجاج في نفوسهم لهذه الأمكنة التي يحلمون بزيارتها لمرة واحدة في حياتهم، فأنا أراقب المكان وعمارته وأشعر بمتعة عالية وأنا أشاهد الناس وهم يتفاعلون مع المكان، وفي الحج يمكن أن تشاهد أكثر من تفاعل، إنه مختبر إنساني للمكان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.