من مقاييس السائقين قبل ثلاثين عاماً، وما إذا كان السائق محترفاً وفناناً، أن يكون قد تعلّم على المرور بدقة ومهارة وشجاعة بين سيارات الحجاج، في التنقل بين المشاعر، خاصة في النفير من عرفات إلى مزدلفة، هذا حينما كانت أعداد الحجاج بمئات الآلاف، أما الآن وقد أصبحت الأعداد بالملايين، وينتظر أن تزداد خلال السنوات القادمة، فإن هذه (الحرفنة) لدى السائقين، أصبحت من الماضي، خاصة مع استخدام قطارات المشاعر، التي جعلت الناس يعيشون في حلم ذهبي، بأن لا تزيد رحلة النفير عن ربع ساعة، وهو أمر صحيح بحساب المسافة القصيرة وسرعة القطار. لا شك أن فكرة القطارات قدمت لنا الحل المنتظر، الذي لم يتحقق بعد بشكل جيد، كما كنا نأمل، لأن أي حل أو مقترح في الحياة، لن يكتمل حتى نقع في الأخطاء لأكثر من موسم، ولدينا يقين بأن القائمين على أمر الحج سنوياً، يشعرون بجسامة المهمة ونبلها، ويدركون أنهم معرضون للأخطاء، ويبادرون إلى معاقبة المخطئ، واستدراك ذلك في المواسم اللاحقة. فمن يذكر الآن التدافع، وحالات الإغماء، والموت أحياناً، حول الجمرات، قبل نحو عشر سنوات؟ خاصة بعد هذا التصميم الرائع للدخول والخروج، وفي عدة طوابق للرمي، مما جعل الأمر ميسراً للجميع، لذلك أجزم أنه مع مراجعة الأداء، ومحاسبة المقصرين، ستصبح لحظة النفير من عرفات أمراً ميسراً للجميع. ولكن ما يقلق في أمر خدمات النقل، خصوصاً قطار المشاعر، والذي احتفلنا بتدشينه، أنه طاقته القصوى هي خمسمائة ألف حاج، أي ما يعادل 24 في المائة، حسب تصريح اللواء منصور التركي، وبالتالي من المتوقع، خاصة مع تواضع ثقافات الحجيج، أن يكون هناك صراع على النقل، والركوب في عربات القطار، حتى ممن لا يملك تذكرة ركوب، فيخسر بذلك ممن قامت له الحملات النظامية بتأمين التذاكر، وهو ما حدث فعلاً في حج هذا العام، الأمر الذي تسبب بانتظار الحجاج لمدد تتراوح بين ساعتين وأربع ساعات، فقط لركوب القطار، ولكن يبقى السؤال المهم، ألا يمكننا أن نتوقّع حدوث مثل تلك الفوضى، خاصة مع وجود ثلاثة ملايين حاج، يقصدون السفر في لحظة واحدة، وهي لحظة غروب الشمس؟. أعتقد أننا نعاني، في الأصل، من حكاية النقل العام، ونحن حديثو عهد بخدمة القطارات، والمشاعر أحد المواقع التي تنتظر خدمة قطارات فوق عادية، لأنه كما أظن لا توجد في العالم حالة تشبه، حالة سفر ثلاثة ملايين إنسان، من المكان ذاته، إلى المكان الآخر ذاته، وفي ظرف ساعات محددة، ولكن مع التخطيط الناجح، ورفع الطاقة القصوى لخدمة قطار المشاعر، وعمل التجارب الدورية له خلال العام، وتوفير نقل دقيق ومنظم للحافلات، يدار بكوادر رجال أمن كافية جداً، لمصاحبة هذا الحدث، سيجعل أمر الوصول إلى مزدلفة صباحاً من ذكريات الماضي. كل ما هنالك أن تكون لدينا إرادة جادة، وذهنية تؤمن بالخطأ وتعترف به، وتعمل على مراجعة الأداء، وتبحث عن خطط جديدة، تقضي بها على ما حدث من أخطاء الماضي.