محاور من الطراز الفريد يخاطب القلوب بلغته الأبوية، ويخاطب العقول بخبرته المحنكة التي تمنحه البعد الكبير في تقييم النتائج، في ظل تنشئة ورعاية حكيمة ومتزنة، فالمغفور له بإذن الله صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز يمتلك وبمهارة عالية أدوات الحوار التي تجعل الجميع من حوله ينصتون له دون ملل، فالحوار معه لا يمكن أن يخرج بعيداً عن إطار حوار العقل الحكيم للعقل الذي يبحث عن المشاورة في داخل تجربته الثرية والعميقة في الحياة؛ لأنه حوار بعيد عن العاطفة، رغم أنه صاحب قلب كبير يحمل داخله هم كل من طرق بابه أو كل من حاول أن يختصر معاناته في ورقة دسه على عجلة بين يديه -رحمه الله- خلال لقاء جمعهُ به في مجلسه أو صدفة في إحدى المناسبات. إن الحوار مع "أبوخالد" حوار ينساب كالماء العذب فيروي الظمأ ويذيب التعصب ويوحد الرأي ويؤلف القلوب الغاضبة، بل ويجمع شتات القبائل التي كانت ترحب وتسعد بشفاعة وجهه البشوش لفض النزاعات القبلية التي تعجز أحياناً عن حلها الوسائط الأخرى، ليكون حضور وجهه المشرق بالأمل وابتسامته التي تدخل الى كل زوايا القلب دون استئذان بمثابة نور الفجر الذي يضئ الكون من حوله، بعد ظلام دامس من القطيعة، ليتحول النزاع القبلي إلى عناق حب بين جميع أفراد القبائل، والكلمات الغاضبة فيما بينهم إلى طلقات فرح في سماء الفرح، وليصبح خوف ورعب المحكوم عليه من تنفيذ حكم القصاص فرصة أجمل للعودة إلى الحياة، وخروج السجين من وراء أسوار الإصلاحيات أشبه بنقطة التحول في حياته، ليعيش مع أهله في حضن بيته الدافئ بعيداً عن ماض كاد أن يعصف به. وهنا يقرأ شكوى أحد المواطنين بكل رحابة صدر في المقابل تجده مستمعا أكثر من رائع يسمعك بنبض قلبه قبل لغة عقله، ويحرص على رعايتك بنظرات عينيه التي تلمع ببريق الحب الذي يتحول إلى سياج من الحب الأبوي الذي يحميك من الخوف الغائب وراء الغيمات، وذلك بحكمته وبعد نظره والأخذ بالحلول المناسبة دون الانحياز لرأي دون آخر، كونه منفتح على ثقافات العالم المختلفة، فيمنح كلماتك جواز مرور تستطيع أن تتجاوز به حدود "البروتوكول الملكي" المعتاد، والذي قد يصعب على البعض التأقلم مع طقوسه سريعاً، وذلك عندما يقترب إليك أكثر ليذيب بلطفه وتواضعه وابتسامته التلقائية رهبة اللقاء والجلوس أمامه وجهاً لوجه، لتتحدث عن كل ما يجول بخاطرك ويثقل همومك، وقد يذهلك للحظات عندما يستأذنك قبل أن يقاطع حديثك ليستفسر عن بعض الأمور التي تحتاج وضوحا أكثر من جانبه، ليغرقك في شلال اهتمامه ورعايته ودون أن يشعرك بالحرج منه أكثر، حتى لا تتلعثم كلماتك. سؤاله -رحمه الله- واستفساره الدائم عن من يحضر مجلسه بغرض السلام عليه أو لطلب المساعدة، يشعرك بأنك في حضرة الأمير المتواضع الذي لن يغيب عن ذاكرتك مهما عصفت بهذه الذاكرة من أحداث؛ لأنه يسعد ويحرص من خلال الحوار على إذابة المشاعر المشحونة بالغضب والثأر، والشواهد على ذلك كثيرة لشفاعته التي خلصت الكثيرين من معاناة سدد الديون وتنفيذ الأحكام الشرعية. إنه الإنسان الذي اتسع قلبه لكل القصص التي كانت تستنجد بشهامته، ورجل الدولة الذي أوجد الحلول السلمية لكل المنعطفات المظلمة، فمصلحة الوطن والمواطن من أولوياته التي لا يمكن المساومة عليها أو المساس بها، واستطاع بحكمته أن يمر بقضايا الوطن الشائكة إلى فضاءات أوسع من تلك التي كان متوقع المرور بها، لينال التقدير من كل رؤساء العالم، وليستحق أن يكون الصديق الذي يحرص الجميع على كسب صداقته.