عندما كنت في المغرب في الربيع الماضي، للمشاركة في إحدى الفعاليات العربية الأجنبية، سمعت هناك لأول مرة المشاركون غير العرب وهم يتداولون مصطلح الربيع العربي. وقتها استغربت من استخدام هذا التعبير في منطقة لا تعرف مغلب بلدانها دورة فصول السنة الأربعة بشكل واضح بما فيها فصل الربيع. ولكن يبدو أنها الحيرة التي اكتنفت العالم في تفسير ما يجري في منطقة الشرق الأوسط. ورغم ذلك فإذا كان ما نراه هو ربيع حقيقي فأين هو محصوله الاقتصادي؟ من ناحية أخرى فعن أي مردود اقتصادي يمكن أن نتحدث إذا كان أحد المشاركين في هذا "الربيع" ألا وهو محمد البرادعي يشكو من عجز كافة الأطراف المشاركة في "الربيع المصري" عن انجاز مهامها حتى الآن. فكيف يمكن أن نسمى ما رأيناه ونراه ربيعا في الوقت الذي لا تزال الأرواح البريئة تزهق والدماء الزكية تسفك. وعن أي ربيع يمكن أن نتحدث إذا كان قطاف خسائره في تونس، مصر، اليمن، ليبيا وسوريا قد وصلت إلى عشرات المليارات. فكما تشير بعض الإحصاءات فإن خسائر البلدان المشار إليها من الاحتياطات الأجنبية قد وصلت حتى الآن إلى ما يقارب 32 مليار دولار. فما بالك ببقية الخسائر التي لحقت بهذه البلدان. إنها بالتأكيد والمسلسل لم ينته بعد سوف تكون أضعاف المبلغ المشار. إن هذه الخسائر الأولية وليست النهائية لا يمكن أن تكون حصادا لأي ربيع بل نتائج ثورات. فالثورات هي وحدها القادرة على إحداث فوضى عارمة والتسبب في خسائر فادحة مثل الذي نراه. والثورتان الفرنسية والروسية شاهدتان على ذلك. وللمفارقة العجيبة أن بريطانيا التي تكن كل احتقار لأي ثورة هي التي أيدت الثورة العربية الكبرى قبل مئة عام تقريباً ومن أشد المتحمسين للثورات العربية الآن. فتباهي وفخر بريطانيا بنموذج تطورها التدريجي الخالي من العنف هو الذي دفع رئيسة الوزراء السابقة مارجريت تاتشر إلى الرد على الرئيس فرانسوا ميتران، الذي كان يتباهى بوثيقة حقوق الإنسان الفرنسية، بقولها إن المملكة المتحدة قد أنجزت حقوق الإنسان قبل فرنسا وبصورة أفضل منها دونما إراقة دماء. وهذه ليست المفارقة الوحيدة. فتركيا اليوم التي كانت قبل مئة عام تقريبا ضحية "الثورة العربية الكبرى" تتبادل الأدوار مع العرب الآن. أما المفارقة الثالثة فهي تأثر المركز بما يجري في الأطراف. فلقد جرت العادة على أن الأول هو الذي يؤثر في الثاني. ولكن دعونا الآن نقلب العملة لنرى الجانب الآخر منها. فالاضطرابات الذي جرت ولا تزال في الأطراف هل كان لها أن تحدث لو أن الأزمة المالية عام 2008 لم تزلزل المركز. فلننظر إلى ما يجري في بلدان أوروبا من احتجاجات على سوء الأحوال المعيشية. ولكن رويداً فلننظر إلى "حزب الشاي" في الولاياتالمتحدة. فحجم الاحتجاجات والأنشطة المعادية للحكومة الفدرالية التي قادها هذا الحزب عام 2009 قد سبقت أي "ربيع عربي". إذاً فالاضطرابات قد بدأت في المركز وليس في الأطراف. فطباعة النقود في المراكز الصناعية دون حساب وتدهور النظام المالي العالمي هو المحرك الرئيسي لكل هذه القلاقل سواء في أمريكا وأوروبا أو في الشرق الأوسط ولكن مع الفارق. فهذا التضخم الذي يصدر يومياً إلى البلدان النامية أو ما يسمى بالأطراف قادر بحد ذاته على زعزعة أي استقرار فيها. فارتفاع تكاليف المعيشة وسوء الأحوال الاقتصادية للناس في المراكز والأطراف هو الذي قد بعث تجمع "حزب الشاي" والثورات في الشرق الأوسط وفيما بعد حركة "احتلوا وول ستريت". وإذا كان التجمع الأول قد استفاد منه الحزب الجمهوري فإن الحركة الثانية سوف تصب على ما يبدو في مصلحة الحزب الديمقراطي أثناء الانتخابات.