غيرت بعض الفتيات، ملامح «خريطة الطريق»، في مسارهن الاجتماعي، وبعدما فقدن الأمل في الخروج بسيارة يقدنها بأياديهن، اتجهن لتوفير سيارة بسائق يقدنه تحت إمرتهن، والمقابل دراهم معدودات. قبل أسابيع قليلة، ظهرت موضة المعاكسات، من جانب الفتيات اللاتي استقللن سيارات أجرة بالسائق، فيما يعرف ب«تاكسي بسائق»، وأخذن يصلن ويجلن بها في الطرقات والشوارع الشهيرة، مثل شارع الأمير محمد بن عبدالعزيز «التحلية سابقا»، في قلب الرياض، يتلقين خلالها الأرقام من بعض المراهقين، ويستمتعن بغمزات وهمزات الطائشين، فيما السائق الذي يقود السيارة يجب عليه أن يتبع قاعدة «لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم»، فالمقابل الذي يدفع للشركة التي يعمل فيها، يفرض عليه «عدم التدخل فيما لا يعنيه». لكن الأخطر أن السائق، بات يتلقى تعليمات بالوقوف والتهدئة في مواقع بعينها، الأمر الذي يشكل مظهرا غير مألوف في الشوارع. ويبقى السؤال، هل من حق النساء استئجار سيارة بسائق، من شركات التأجير أم هناك ضوابط لذلك، وإذا كانت النساء لا يستطعن استئجار سيارة لعدم نظامية ذلك، فما الذي يجعل الأمر متاحا لهن بالسائق، وهل شركات تأجير السيارات تلتزم بمعايير التأجير، أم أن السيارات لمن يدفع، وما دامت للنساء فلمن تدفع، طالما أن الاستئجار بسائق؟ وهل سيتحول هذا المظهر، إلى ظاهرة تهز صورة المجتمع، وما السلبيات من ورائها، وأليس من حق النساء التنقل كيفما شئن، ويبقى استغلال الأمر، واتباع سلوك مشين، يجب ألا يعمم على الأخريات، لتكمم أياديهن، من القدرة على استئجار سيارة بسائق؟ ضبط وتلبس في شارع التحلية بالرياض، لاحقت دورية تابعة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سيارة مستأجرة بسائق، تابعة لإحدى الشركات الشهيرة العاملة في مجال تأجير السيارات، وأوقفت السيارة، بعدما اتضح أن بها عددا من «الفتيات»، تجولن بالسيارة في نفس الشارع أكثر من مرة، وتسببن في تجمع العديد من سيارات الشباب. وتمت مناصحتهن، والتعرف على هوية السائق، ثم تركت السيارة تعود أدراجها، فيما لم يعرف ما إذا كان تم التعرف على هويات المستأجرات، أم أن الهيئة فضلت اتباع قاعدة «الستر»؟ والعودة فيما بعد للشركة المؤجرة لهذه السيارة. لكن المشهد يفتح المزيد من علامات التساؤل، هل يجب الستر هنا ليتمدد المشهد، ويصل إلى ما يشبه الظاهرة، أم أنه يجب التدخل عاجلا لحسم الأمر، سواء من شركات التأجير أو من المجتمع بفعالياته؟ حالات متعددة عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بفرع الروضة إبراهيم المالكي، اعترف بأن «رجال الهيئة ضبطوا عددا من الحالات، ومعظم الفتيات في سن مراهقة، ويستغللن الفترة ما بين انتهاء الاختبارات حتى صلاة الظهر، خصوصا إذا كان الاختبار في مادة واحدة، وغالبا يتم الانتهاء منها في وقت مبكر، ومن ثم يصبح هناك وقت فراغ أكثر من ساعتين أو ثلاث، يتم فيها الخروج من المدرسة بطريقة أو بأخرى». وبين أنه تم رصد عدة مخالفات في أحياء في الشمال، خصوصا في حي العليا، حيث توجد الأبراج التجارية، والمولات والمحال الكبيرة، التي تشهد ازدحاما من الشباب والفتيات «الظاهرة تبدأ عادة مع خروج الفتيات في أيام الاختبارات في نصف العام أو في نهايته، حيث تتفق مجموعة محدودة من الطالبات الثانوي خصوصا على الخروج من الاختبارات، ويكون في انتظارهن سائق بسيارة فارهة، ويقمن بالدوران في الشوارع، ويعاكسن الشباب أو يسمحن للشباب الطائش بمعاكستهن». وأشار إلى أن النظام المتبع من قبل رجال الهيئة في حال ضبط سيارات من هذا النوع «نقوم بالاتصال بولي أمر كل فتاة، ونطلعه على الموضوع، ونحرر محضرا للسائق، وصاحب محل التأجير، ويحال الأمر للجهات المختصة، ومما يؤسف له أن السائق يقول إنه غير مسؤول فهو يعمل في مكتب التأجير، ويوجه من قبل صاحب المكتب، ومحل التأجير ينفي مسؤوليته، ويقول إنه طلب منه سيارة بسائق لفترة محددة». المحرم أولا وفيما بدت الشركات متهمة بتوفير الغطاء ممثلا في التاكسي، للفتيات، وعدم الاهتمام سوى بالمقابل، نفى الموظف ماهر بشركة «تاكسي لندن» تأجير السيارات للفتيات دون محرم، أيا كان احتياجها لها، موضحا أن هذا الأمر يعد مخالفا «هناك قوانين من الشركة تمنعنا من التأجير للفتيات، ويوميا تحضر أكثر من 12 فتاة بغرض استئجار سيارة، ولكن نقابل أمرهن بالرفض، لأنه يعد مخالفا لقوانين الشركة، التي تنص على عدم تأجير الفتيات إلا بحضور ولي أمرها، لكن بعض الفتيات يقمن في بعض الأحيان بالتحايل على سائق التاكسي، عندما يتم الاتصال بالمركز الرئيسي يطلبن سيارة بغرض توصيلهن إلى مطعم أو سوق أو حتى المطار، حيث يعترف السائق بأنهن طالبنه بأخذ جولة في عدد من شوارع الرياض». نظام جديد وأوضح أنه لا يمكن أن يلقى اللوم على الشركة «لأن هذا يعتبر تحايلا على نظامها، ونحن دائما نأخذ النية الحسنة عن طالبات التاكسي، ولكن هذه تعتبر سلبيات، وسوف يكون هناك نظام جديد للشركة للحد من هذا التلاعب، بحيث سيتم تسجيل المكالمة عندما يتم طلب التاكسي، ومن ثم إذا أرادت التوجه لمكان غير المذكور يتم إنزالها». مشكلات عديدة ويرى صاحب محل تأجير سيارات عبدالله الدعجاني أن مشكلات التأجير لا تنتهي خاصة مع الفتيات «فدائما ما يحضر لدينا فتيات، لغرض استئجار سيارة بسائق، ولكن نحن وحفاظا أولا على بناتنا لا نقدم هذه الخدمة لأن مضارها أكثر من نفعها، ولابد من وضع نظام لجميع محال تأجير السيارات أولا لحماية حقوقهم وحقوق الآخرين، وفي حال استئجار فتاة لسيارة بغرض إنهاء بعض الأمور اللازمة، نتفاجأ أن السائق موقوف في مركز الهيئة، وذلك بسبب الفتاة، وأرى أن الخطأ يقع في المقام الأول على أولياء الأمور الذين لا يراقبون بناتهم». ضوابط التأجير واتجهت بعض شركات تأجير السيارات وبجهود فردية بعد حادثة فتاة الرياض، إلى تقنين وفرض ضوابط لعملية التأجير للسيدات، بحيث لا يتم تأجير السيارات للنساء إلا في حالات توكيل وموافقة من ولي الأمر، بينما ظل آخرون على موقفهم معتقدين أن تعميم الحالة الفردية سيقطع على آلاف النساء ممن يستخدمن هذه الوسيلة في التنقل لقضاء حاجاتهن بأنفسهن. تأجير متاح ويرى المسؤول التنفيذي عن مكاتب شركة لتأجير السيارات أحمد عبدالله، أن عملية تأجير السيارات للسيدات مع سائق متاحة «لكنها فقط في حال أتت من طرف شخص أو جهة معلومة أو من يأتي معها ولي أمرها، ويوقع بنفسه على التأجير، أما اللاتي يرغبن باستئجار سيارة فقط دون سائق، فالأمر متاح وأكثر سهولة، على أن يتم التأجير باسم السائق الذي يقود السيارة، وما أعلمه أن هذا هو النظام المتبع، التأجير بسائق يتم بموافقة ولي الأمر والتأجير دون سائق يسجل باسم من يقود السيارة». نؤجر بلا شروط واعترف صاحب شركة لخدمات الليموزين وتأجير السيارات خالد الحصان «لا نشترط على السيدات أي موافقة من أي جهة، ونوفر لهن السيارة بكل خصوصية، والمنع ليس علاجا بل خطوة ستؤدي إلى تدهور في الأمور، ولا يوجد أي نظام من وزارتي النقل أو الداخلية يفيد بتقييد التأجير بموافقة أو وجود وكيل». ويرفض تعميم ما حدث مع فتاة الرياض التي استأجرت سيارة لغرض المعاكسات على البقية، معتبرا ما يحدث في هذا الإطار حالات عبث فردية «من غير المنطقي أن تمنع النساء من قيادة السيارات، وتمنع أيضا من تأجير السيارات إلا بوكيل، المسألة فيها تقييد لحقوقها الإنسانية ولشخصيتها وخصوصيتها، فلو أن فتاة ارتكبت خطأ في سوق أو مول، فغير منطقي أن نمنع السيدات من دخول الأسواق والمولات، فالتعميم ليس حلا والقمع والمنع ليس حلا، ومن يقل إن الفتاة يمكن أن تستغل هذه الخدمات في الهرب من الجامعة أو المدرسة أرد عليه بالقول إنه يمكن أن تهرب من منزلها أيضا، وأرى أن تستخدم سيارة مؤجرة أفضل من أن تمنعها وتدفعها لأن توقف شبابا على الطريق لإيصالها، ولو فعلت ستتدهور الأمور، وسيقف لأجلها صف طويل من الشبان لإيصالها إلى غايات لا يحمد عقباها». لا نلجأ للمكاتب وتستخدم مها محمد المواصلات العامة «الليموزين» عندما تحتاج إلى الذهاب لموقع ما، لكن مكاتب التأجير ليست الوسيلة المتبعة، لأنها غالبا تدخل في إجراءات مطولة وأسئلة «الأسهل كثيرا أن أستقل سيارة ليموزين، أو أن أستخدم الأرقام المتداولة بين البنات عادة لأصحاب سيارات خاصة يقومون بالتوصيل حسب الطلب، ومظهر السيارة الخاصة أكثر خصوصية، ولن يوقفك أحد ليسألك هل هذا سائقك وسيارتك أم لا». بلا استئذان وتعترف سلوى السلطان بأنها اعتادت مع عدد من زميلاتها استخدام مواصلات خاصة غير الليموزين في تنقلاتهن، بعيدا عن أي استئذان، لكنها تستخدم ذلك بطريقة إيجابية، وترفض تعميم ما حدث لفتاة الرياض وتشجب كثيرا المحاولات الفردية التي تقوم بها عدد من شركات التأجير لخص التأجير للسيدات بوكيل أو ولي أمر, «ماذا لو أن سيدة أرادت أن تخرج بخصوصية إلى موعد مستشفى، أو حتى لو كانت بحاجة إلى أن تشتكي زوجا ظالما أو تهرب لبيت أهلها أو غير ذلك من الأسباب الهامة والمقبولة، هل يعقل أن تستأذن الجلاد بالهرب؟ ثم إن ولي الأمر القادر على مرافقة الفتاة لعمل وكالة لها من الأولى أن يرافقها لينقلها لمشاويرها الخاصة، نحن نحل المشكلة بمعضلة أكبر، نضطر للسائقين لأن أولياء الأمور ليس لديهم الوقت لتلبية حاجاتنا فهل من المنطقي أن نصطحبهم إلى توكيل؟». مضطرات للاستئجار من جانب آخر شددت الفتاة ريما على أنها مضطرة لاستئجار سيارة بسائق في الكثير من الأحيان، مبينة أن هناك لوازم شخصية تستوجب الحضور لها شخصيا. وأشارت ريما إلى أن بعض الفتيات أصبحن يسئن استغلال هذه الخدمة في أمور تعتبر دخيلة على المجتمع من معاكسات أو نحو ذلك «ولكن السؤال الهام كيف يمكننا قضاء حوائجنا الشخصية؟ نحن لا نستطيع قيادة السيارة، ولا نستطيع استئجار سيارة بسائقها، ماذا نستطيع أن نفعل، لا بد أن يكون هناك تفهم لبعض أوضاعنا التي من المستحيل أن يتقبلها رجال الهيئة». أما المطلقة شيخة فإنها تضطر يوميا لاستئجار ليموزين لأنه لا يوجد لديها محرم يقوم بقضاء لوازمها الشخصية «أصبحنا في وضع صعب لا نحسد عليه، نحن الفتيات لا نستطيع الخروج إلا بمحرم، ولا نستطيع الاستئجار إلا بمحرم، فكيف لمن هي مثل وضعي؟». وبينت أن رجال الهيئة يقومون بمجهودات يشكرون عليها، ولكن هناك بعض السلوكيات الخاطئة التي يمارسها بعض رجال الهيئة، فلا بد أن يكون هناك تفهم لبعض خصوصياتنا، نحن مجبورات على أن نستأجر سائقين، ولكن رجال الهيئة ليس من حقهم إيقافنا دون أي سبب, لأنه كذلك يعتبر خلوة على حد قولهم». خلل في البيت واعتبر الاختصاصي الاجتماعي نصار العتيبي أن هذه التصرفات للأسف سببها المنزل «هناك فتيات يقمن باستئجار السيارات لغرض الترفيه عن النفس، وهذه المسألة مهمة جدا، حيث إن الفتاة ما تكون عادة محرومة من حنان الوالدين أو عدم مراقبتها، ما يجعل في نفسها اتخاذ أي خطوة دون الرجوع إلى والدها أو حتى الخوف منه، ولابد معالجة هذه المشكلة قبل أن تستفحل، وتصبح من المشكلات التي يصعب حلها، ويجب على أولياء الأمور تخصيص وقت لبناتهم، ومنحهم بعض الحنان وإحساسهم بالوجود، لأن ذلك يزرع في الفتاة حب الأسرة، ما يجعلها تفكر قبل الإقدام على أي خطوة سلبية» .