في القرى النائية في أعماق الأراضي الصحراوية لن تجد لدى الرجال الكثير من المشاكل مع زوجاتهم أو أخواتهم في القضايا المتعلقة بالسلوك الشخصي وحرية التصرف. هناك أشبه بعزلة عن الحركة الدائبة للحياة. هدير السيارات البعيدة وعصف الرياح ووقع الأقدام الوحيدة في الخلاء اللامتناهي لايمكن ان تشكل اي مصدر خلاف او جدل بين الازواج. هذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل الذكوريين المتعصبين من أهل المدن يطلقون الكثير من التنهدات وهم يتمنون العودة الى هذه الاماكن ليستعيدوا شخصياتهم الفحولية وليتجنبوا المعارك مع الأرواح الفتية المدنية لزوجاتهم وأخواتهم التي يعتقدون الآن وبشكل راسخ انهم خسروها وتم جرح رجولتهم بشكل مهين. رغم كل محاولات فرض السيطرة والضبط الا ان غالبية الرجال مدركون ان النساء قد تجاوزن تعاليمهم وتعدين الحدود. قليل هم الرجال الآن القادرون على منع وجود ستالايت في البيت يضم جميع المحطات الغنائية (كل ذلك الوعيد القديم تحول الى فقاعات صابون. في الغالب الآن المرأة هي من تمسك الريموت كنترول ويتحكم بتبديل القنوات) أو يفرضون على زوجاتهم لبس عباءة تكرهها. ان النظرات الزائغة والمتشنجة والمتفحصة للرجال الذين يسيرون خلف زوجاتهم في المجمعات التجارية يوضح خليطاً من مشاعر الألم والانكسار المرهقة التي يعانونها والتي لاتهدأ الا مع ادارة مفتاح الشقة بالقفل. ان قوة الزمن الدافعة بشدة التي استجابت لها الفطرة الانسانية تبدو وراء هذ التغير العنيد الذي طرأ على المرأة هنا. انهن يمشين بثقة ويتحدثن بصوت واضح ولكن خلف كل مايمكن ان يشير له ذلك من صورة جيدة الا أن هناك اشياء سيئة ومخادعة يمكن ان تقع خلف هذا. ان قوة محركات الزمن الهائلة قد تمنح التغيير ولكنها لاتمنح الوعي لذا ستبدو تعيش في عالم من الزيف. والشكليات. دائماً المستجدات بحاجة الى وعي حتى تترسخ بشكل مناسب واذا ما تفاعلت هذه المستجدات مع وعي تقليدي فإنك ستواجه الكثير من المواقف المتعبة (تذكر، مواقع التكفير على الانترنت)، ان الفتاة الواثقة من نفسها قد تتحول بسرعة الى فتاة متبجحة لأنها تتعامل مع نفسها وكأنها مخطئة لذا تتجاوز وتقع فعلاً في الخطأ. الاقسى من كل ذلك هو الحالة المدمرة التي تخبرها في كل لحظة انها فتاة منفلتة ومتجاوزة للحدود كما يقول الرجال. اذا ارادت تتخلص من هذا التمزق الروحي عليها أن تصل الى قناعات تقول لها بشكل واضح جداً انها انسانة كاملة وحرة ومسؤولة عن نفسها ولاتعاني من اعتلال عقلي ولن تكون مخطئة ابداً اذا تصرفت بناء على هذه القناعات في حياتها وهذا سيجعلها تعرف جيداً الحدود الفاصلة بين الصح والخطأ وبين ان تكون واثقة او متبجحة. ان هذا ما سيجعل هذا التجاوز للحدود الذي اسماه الرجل (هذه حدود وهمية من صنع الوعي الذكوري، ليس هناك اي حدود. مثلما يعيش الرجال بدون حدود فعلية ان يفكر ان لها قلباً واقداماً مثله لذا تعيش هي بدون حدود) اكثر صلابة وعمقاً ويمهد لبناء حضاري مستقبلي. الرجال الذين لايريدون ان يتعذبوا بقية اعمارهم وهم يأملون بشيء لن يحدث ابداً وهو ان تعود النساء لقرى صحراوية او ذهنية عليهم ان يتبنوا افكاراً حديثة ستريحهم كثيراً. عندما يحترمون قيمة المرأة وحريتها وانسانيتها فإنهم لن يواجهوا اي مشاكل فيما لو ذهبت للسوق او سافرت وحيدة او زارت صديقات المدرسة. هذه الرؤية المتطورة والمشتركة بين الرجل والمرأة هي القادرة على صنع البنية الاساسية لمشروع تقدمي رائع. الاسبوع الماضي جرت في الكويت والسعودية احداث مهمة ألقت الضوء على المرأة ولكن هذا الاهتمام بدأ يتناقص تدريجياً في وسائل الإعلام. كلما شاهدت الافواج الهائلة للنساء في الاسواق والمدارس والمطاعم وتذكرت النائمات والجالسات امام التلفزيون لساعات طويلة والمتململات من كل شيء شعرت بأنه موضوع مؤلم جداً وبحاجة الى قدر أكبر من الاهتمام والانسانية.. لايمكننا العيش ابداً بسلام وبيننا ملايين الارواح المكروبة. [email protected]