قد تجدون معي أن الحرص على اقتناء السيارة الفاخرة قلّ عن ذي قبل. وهذا أمر سار. وقد كانت المرتبة الوظيفية قبل فترة ترتبط بأحقية الموظف على هذا النوع من المركبات أو ذاك. فما بعد المرتبة كذا يستقل سيارة ( بتلفون ) وهكذا وعرفت من تأثرت نفسيتهم عندما جرى استعادة السيارة (بموجب النظام عندما أُحيل على التقاعد)، فصار كمن فقد شيئا ذا ميزة ترفع مقامه. وأظن أن ذلك النظام لا يزال ساري المفعول. وفي الستينيات من القرن الميلادي كان السائق السعودي كذلك يجري توفيره من قبل الدولة لمن وصلوا مرتبة معينة. أي أن الحكومة تدفع راتب السائق أو تدفع للموظف بدلا، نسيتُ أيهم كأني بالحرص والحفاظ على مُدّخرات الأسرة وترشيد الإنفاق أخذا مكانا كان فيما مضى شاغرا وثابتاً لمجتمعنا. فالتنافس الشرس للحصول على مواقع اجتماعية معينة باقتناء نوع معين من السيارات حتى ولو على حساب الاستدانة بالفوائد ظاهرة قد يصعب على الأفراد التحرر منها.. قد لوحظ يقل تدريجيا وكان الوضع فيما مضى يزداد تعقيداً إذا كان الفرد صاحب مهنة وليس رجل أعمال ودخله لا يتعدى راتبه. السيارات الفخمة لرجل الأعمال ضرورة أو هي بمعنى آخر (أداة) من أدوات عمله، فهو يستقبل العملاء وينقلهم من المطار إلى الفنادق إلى مواقع الاجتماعات ولابد أن يظهر بالمظهر اللائق امام عملائه ومورديه من الأجانب ومن غيرهم. وسؤال: هو ما حاجة أستاذ الجامعة أو المدرس أو المهندس أو الطبيب أو الصحفي إلى سيارة من النوع الذي يعجز صاحبها أن يجد لها الموقف المناسب قرب المدرسة أو الجامعة أو المعهد أو الإدارة. أنت محترف ومهني وذو مبادئ. ولست بحاجة إلى الظهور، كما أن زوجتك ليست بحاجة إلى ضرب راتبك في ثلاثة أمام صديقاتها. فالطموح ليس هنا وهذا ما اسميه كوابح الطموح. اثناء عملي في المكتب الثقافي بلندن تعرفت على أستاذ في جامعة كمبردج العريقة، دكتوراه وعضو في مجلس إدارة إحدى الكليات ومؤلف. كان يذهب إلى الجامعة على دراجة هوائية، ولديه زوجة وابنتان تقول إحداهما إنها تعمل في شركة للتصوير الفوتغرافي، ولكن لحسن حظها كما تقول إن موقع الشركة لا يبعد إلا أمتارا عن موقع سكنها. موقعك الاجتماعي لن يتغير في رفع صادرات الدول المصنعة وفي المقابل فإن الالتفات إلى مطالب أسرتك علمياً وصحياً وثقافياً هو مساهمتك في النمو في تسيير عجلة الإبداع وتخفيف الكلفة الاقتصادية. هذه التكنولوجيا الضخمة من السيارات ليست لتنمية العقل. هذه جاءت لسحب كل مدخرات الأسرة وخلق مفهوم اجتماعي معين يجعل التنافس الاجتماعي امراً جذاباً ومريحاً معا ولكن على حساب أعصابك والضغط على حاجات الأسرة الضرورية. هذه حضارة هامشية وهوة واسعة تبتلع كياننا الاقتصادي وتجعلنا سوقا رائجا لما أنتجه العالم الصناعي. وتخلق منا أفرادا مسلوبي الإرادة تتقاذفنا الإعلانات من جهة وارتفاع أسعار تلك المركبات من جهة ثانية ونحن نركض وراءها دون علم عما إذا كانت هذه الفخامة من ضروريات حياتنا أم أنها محاكاة وتقليد للغير.