تعتبر حرية الرأي من أهم الحقوق الفكرية التي فطر الله عليها الإنسان، وتعد حقاً مكتسباً لأن الأصل في القول الجواز بشرط أن لا يتعدى القول حدود الشريعة، فالناس على اختلافهم منهم من جبل على الخير وقول الحق ومنهم من جبل على قول الباطل فالهدف الأساسي لحرية الرأي هو العمل الجاد لنفع الإنسانية لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} فالقول السديد يؤدي حتماً إلى صالح العمل بمراعاة أمانة الكلمة وضوابطها التي تدور حول المطلق والمقيد بالفعل الواقع حدوثاً ينظر فيه باتجاه الإرادة فهي التي تحدد القصد الجنائي والذي بدوره يحدد مدى المسئولية الجنائية من عدمها ليبقى بذلك أن القصد الجنائي هو ما يعرف بالقصد المعنوي الذي يحوم حول عنصرين أساسيين هما حسن النية وسوء النية فهما مبدآن ضروريان يقوم عليهما القصد الجنائي. ويعرف النقد المباح بأنه إبداء الرأي نقداً للتصرفات والأخطاء، أما إذا تعدى النقد ليمس الشخص في ذاته بقصد الإساءة أو القذف أو التنكيل والتشهير بنية القصد الجنائي فيكون المحرر أو الكاتب قد تجاوز الحدود المقيدة له وأوقع بالتالي نفسه تحت طائلة المسئولية الجنائية والتي توقع عليه الجزاء والعقاب بسبب تحقق القصد الجنائي وبخاصة في جرائم القذف والسب بل تمتد بذلك العقوبة لتشمل حتى المسئولية المدنية والمتمثلة في التعويض إلا في صورة ما يكون الطعن موجهاً إلى موظف عام أو من في حكمه فمثل هذه الحالة إذا تمكن المتهم من الدفع بحسن النية وإثبات اتجاه إرادته إلى الصالح العام، وإثبات كل ما نسبه للمجنى عليه حقيقة واقعة، ففي هذه الحالة لا عقاب عليه بالرغم من إثبات قصده الجنائي، والتمييز بين النقد المباح والنقد المجرم يكمن في الدقة التي يميز بها النقد في حد ذاته والتي بمقتضاه يتم تحديد القصد المعنوي واتجاه الإرادة ما بين حسن النية المدعمة بالواقعة المثبتة حقيقة وحكماً وما بين سوء النية في اتجاه إرادة الجاني في القصد الجنائي بنية التشهير أو السب أو القذف. وتعتبر وسائل الإعلام المختلفة هي الأداة التي يمكن من خلالها ممارسة حق إبداء الرأي باعتبار أن لكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه البناء في قول الحق ودفع الظلم، فالمسئولية تعد ضابطاً من ضوابط الحرية. قال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} فالإسلام قيد حرية الرأي ووضع لها حدوداً بين جلب المصلحة ودرءاً للمفسدة، بمعنى أن حرية الرأي في الإسلام وضعت الإنسان أمام رقابة ذاتية دائمة فالأصل هو حرية النشر وإبداء الرأي ويستثنى من ذلك إذا كان من شأن النشر المساس بالدين وقيم المجتمع ومصالحه وحقوق أفراده وترتب على ذلك نتائج غير مرغوب فيها والاستثناء هو القيد ولا يجوز أن يمحو الأصل أو يجوز عليه أو يعطله. وحرية الرأي تتطلب عدة مقومات منها الشخصية المستقلة بأن يبدي الفرد لرأيه دون تأثر بآراء الغير، والجراءة عدم التردد في إبداء الرأي خوفاً أو سكوتاً بغرض المجاملة، ويكون إبداء الرأي بموضوعية وعدالة لقوله تعالى: {أعدلوا هو أقرب للتقوى} وحرية الرأي محل اهتمام المواثيق الدولية فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته (19) ضمن حرية الفرد في إبداء الرأي دون أي مضايقات طالما أنها لا تخرج عن النظام والآداب العامة، وهذا ما نصت عليه وثيقة المؤتمر الإسلامي لحقوق الإنسان بضمان الحريات للأفراد متكاملة غير منقوصة ولا مجزئة مع شمولها برقابة وفقاً للمصلحة العامة. ونخلص إلى أن حرية الرأي جزءاً لا يتجزأ من الحريات العامة وعليه لا يمكن لأحد أن يكون بمنأى عن النقد البناء لمعالجة الأخطاء والإشكاليات والحد منها لكي لا تزداد تفاقماً وتصبح أكثر تعقيداً، فمبدأ حرية الرأي يعتبر مبدأ سامياً لإيضاح الكثير من الحقائق والأمور وبه يتقدم الفهم والإدراك وتسود النصيحة وتعم الفائدة ولكن تبقى الحقيقة أن إطلاق العنان لحرية الرأي كلية دون رقابة تمارس عليها تعد مشكلة في حد ذاتها، حيث تتفق معظم الأنظمة العالمية في دساتيرها ومبادئها العامة على احترام مبدأ حرية الرأي إلا أن هذا الحق قد تم تقييده في حالة المساس بأمن البلاد والأفراد، وهذا ما يتفق مع مقاصد الشريعة في جلب المصلحة ودرء المفسدة.