حكم المنية في البرية جار ما هذه الدنيا بدار قرار يقول ربنا جلا وعلا (فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون). حمداً لله على قضائه جعل هذه الدار مزرعة للآخرة يتزود فيها المؤمن من الأعمال الصالحات حتى بإذن الله برحيله ويلحق بالرفيق الأعلى ويفوز بجنة الخلد في مقعد صدق عند مليك مقتدر. قبل أيام قلائل دون الشهر في يوم الاثنين الرابع عشر من شهر شوال لعام 1432ه رحل عن دنيانا الفانية العم القدير الشيخ علي بن زيد العقيلي الخالدي رحمه الله رحمة واسعة، ذلك الطود العظيم الذي ذهب إلى رحمة ربه، رجل ولكن في عدة رجال تعرفه فيأسرك بتعدد صفاته وتميز مواهبه خاض الحياة بصفوها وكدرها فطبعته بالدراية والحكمة تجمعت فيه صفات لا تجدها إلا في عظماء الرجال، تراه لأول مرة فتعرف له قدره وعلو مكانته، يبهرك بحضوره المميز في المحافل والمناسبات العامة والخاصة، حيث كان طلق اللسان، مهيب المقام، يملك ذاكرة قوية وذكاء متوقداً، وبديهة سريعة يتحدث في قضايا ومجالات عدة فتقول هذا مجاله وتخصصه، قوي في قول الحق لا يجامل فيه أحداً. يحكي لك حياة الأوائل وأحداث التاريخ وكأنه عاش أحداثها لتوه فيحلق بخيالك إلى فضاءات المعرفة، يصور لك واقعهم وكأنك تعيش حياتهم ودقائق تصرفاتهم وواقعهم تسعفه في ذلك ذاكرة قوية وخيال ملهم فتحب منه أن يواصل حديثه ليشبع خيالك ويكفيك عن قول الرواة والمتحدثين لأنك ترى فيه مربياً فاضلاً ومعلماً بارعاً ينكشف لك ذلك واضحاً جلياً في طباع أبنائه الكرام. تقدم به السن رحمه الله إلى ما يقارب التسعين عاماً غير أنه يضم بداخله نفساً وثابة إلى المستقبل وعقلية متجددة تواكب حياة هذا العصر يحرص مع هذا العمر على إقامة الولائم وإكرام الضيوف والاحتفاء بهم فذلك في عرفه من شيم العرب الكرام. يهتم بحضور المناسبات ويدعو لحضورها وعدم التخلف عنها لأنه يرى فيها أداة لتماسك الأسرة والمجتمع، له مجلس يغشاه ضيوفه وأصحابه ومعارفه ومحبوه في كثير من الأوقات وبعد صلاة الجمعة يحدث فيه جلساءه بطريقة الحوار الممتع الذي لا يخلو من الطرفة والفائدة يشجع فيه النشء من الشباب على المحافظة على المبادئ والقيم والأخلاق الإسلامية والعربية الأصيلة. عاش العم بداية حياته في مسقط رأسه بلدة الحلوة ثم انتقل منها إلى بلدة الخرج ومنها التحق بالجيش السعودي في خميس مشيط ثم رحل إلى نجران وبعدها انتقل إلى الطائف إلى أن أحيل إلى التقاعد بعد خدمة طويلة لدينه ووطنه وملوك بلاده.