لا يزال موضوع "المعرِّف" للمرأة من أكثر القضايا الاجتماعية حساسية، وترك انطباعاً سلبياً لدى الكثير من المواطنات، ويقصد ب"المعرِّف" رجل من أهل المرأة المقربين يذهب معها إلى جهة رسمية معينة ليشهد لها بصحة هويتها وانتسابها، حيث لا يكفيها أن تأخذ معها بطاقتها الشخصية، أو بطاقة العائلة، وإنما لابد من "المعرِّف" حسب ما تقتضيه نظام بعض الجهات الرسمية. ويعاني الكثير من النساء من هذا الإجراء، والذي قد يتسبب في تأخير معاملاتهن أو ضياع حقوقهن مع إطالة مدة معاناتهن، حيث أن المعرِّف قد لا يكون حاضراً دائماً، إما بسبب غيابه أو سفره، أو لخلافه مع المرأة كما هو حاصل في قضايا "العضل" و"النشوز" و"الإرث"، أو لعدم رغبته في الذهاب معها وإنجاز معاملتها لأسباب شخصية من وجهة نظره، الأمر الذي استدعى مطالبتهن بإلغائه وإيجاد بديل له؛ لأن فيه انتقاص واضح لحقوقهن، بل وحدّ كثيراً من حريتهن، إلى جانب أنه يُعد تعطيلاً لشؤونهن الشخصية والعملية. ويُعد نظام "بصمة العين" من أكثر الحلول المثالية لحل هذه الإشكال؛ لأنه يضمن التعرف على كل امرأة، مع الحفاظ على خصوصيتها دون الكشف عن وجهها أمام أحد، بل ومن شأن اعتماد هذه التقنية إلغاء عمليات انتحال شخصيات النساء، وإلغاء تزوير الوكالات الخاصة بهن، والتي انتشرت بسبب تحايل البعض بشأن هويات قريباتهم، حتى تتاح لهم فرصة التصرف في أملاكهن أو أموالهن بشكل غير مشروع، مما يتسبب في ضياع حقوق الكثير من النساء الغافلات. "الرياض" تطرح الموضوع لمعرفة إمكانية إلغاء "المعرِّف" واستبداله ب"بصمة العين"، والتي أصبحت قيد التنفيذ في بعض القطاعات، فكان هذا التحقيق. حماية مفقودة في البداية قال "ريان مفتي" -محامي-: إن آلية التعامل مع "المعرِّف" تجاوزت في كثير من الأحيان حدود الأخطاء العادية إلى الجسيمة، ففي بعض الحالات ثبتت أنه كان شخص غير نظامي، بمعنى أنه لم يكن ذا صلة قريبة بالمرأة، مما جعل تعريفه لها غير موثق به، مضيفاً أنه بناء عليه تم إصدار وكالات لسيدات بدون علمهن، وذلك بوجود امرأة أخرى، مؤكداً على أن المعرِّفين أحياناً لا يُشترط أن يكونوا من محارم المرأة، مشيراً إلى أنه في بعض الأحيان يكون حضور المعرِّف عن طريق العلاقات والمجاملات، وهذه الآلية المعرفية لم تعط الحماية للمرأة بالشكل الصحيح، والتي من الممكن أن توفرها وجود الأقسام النسائية التي تتحقق من بطاقة أحوال المرأة والتأكد من هويتها من خلال "بصمة العين"، التي أصبحت في حيز التنفيذ، أو من خلال بصمة اليد "الإبهام"، والتي هي اشتراط استخراج بطاقة الأحوال ومن خلالها يتم التأكد الفعلي من هوية المرأة التي تراجع الجهات، سواء في كتابة العدل أو الوزارات الأخرى، مشدداً على أهمية استبدال "المعرِّف" بشكل فوري وبما يخدم الإجراءات النظامية الصحيحة للمرأة، والتي من خلالها يتم التأكد من هوية المرأة وشخصيتها. خالد أبوراشد الجمارك دليل نجاح وأكد المحامي "خالد أبو راشد" -عضو المحكمين الدوليين- على أن الأخذ بتقنية "بصمة العين" فيها الكثير من المرونة للتعامل مع خصوصية المرأة، بل وضمان الحفاظ على حقوقها، ذاكراً أنه في حال تأخر تعميم هذه التقنية، فالحل يكمن في أن تستحدث أقسام نسائية في كافة القطاعات للتحقق من هوية المرأة، خاصةً "مغطاة الوجه"، والتي تجد حرجاً في كشف وجهها أمام الرجال الغرباء، وبالتالي يصبح التحقق من هويتها من خلال بطاقة الأحوال مثلها مثل الرجل وهذا الإجراء يُعد كافياً، مستشهداً بما يحدث في المطارات للنساء عند المغادرة أو العودة للمملكة، حيث لا يطلب رجال الجمارك منها مُعرِّفاً ويكتفون بجواز السفر، مطالباً بما هو معمول به في منافذ المملكة ليتم تعميمه على جميع الجهات الأخرى، مضيفاً: "هناك جانب إيجابي للمعّرف حقق فيها الحماية للمرأة فيما يختص بالوكالات الشرعية سواء في البيع والشراء وقبض الثمن، فقد تنوب عن المرأة المعنية امرأة أخرى مزورة، حيث ساعد المعرفين في حماية المرأة من تزوير كاد أن يلتهم كل ممتلكاتها". مصلحة عامة وأوضح "أ.د.عبدالله بن إبراهيم" -المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- ألا إهانة تقع على المرأة في حال طلب منها إحضار من يعرِّف عليها، مؤكداً على أن للمرأة حرية التصرف مثلها مثل الرجل، ولكن تبقى قضية الجهة التي تتقدم لها وما تقتضيه المصلحة العامة من ضرورة إحضار معّرف، نظراً لعدم وضوح الأوراق الثبوتية والاشتباه فيها، خاصةً وأنه أحياناً يُطلب تعريف من الرجل لجهة عمله، مضيفاً أن بعض الجهات الرسمية ربما يصعب عليها التعرف على المرأة من خلال هذه الأوراق الثبوتية، والتي قد يكون فيها شيء من عدم الوضوح، حتى مع وجود الصورة الشخصية، نظراً لوجود الكثير من حالات التزوير، أو بعض الحالات التي فيها من الخطورة الأمنية، لافتاً إلى أن طلب المعرِّف كزيادة في التثبت، والذي هو زوج أو جهة عمل أو والد أو عمدة الحي، مبيناً أن المعرِّف أسلوب قديم ولكنه ضرورة في بعض الحالات. عقل الباهلي عصر التقنية وشدد "عقل الباهلي" -الكاتب والناشط الحقوقي- على ضرورة إلغاء المعرِّف والاستعانة بتقنية البصمة، والتي تُعد إحدى الوسائل المتطورة التي تمنع التلاعب بمصير الكثير من النساء، مضيفاً أن المعرِّف برغم أهميته إلاّ أنه لم يعد ملائم لعصر التقنية الحديثة، في ظل تزايد حالات التلاعب بمصير نساء فقدن أملاكهن ومدخراتهن بواسطة تأكيدات معّرف لم يكن من محارم المرأة، أو أنه تم الاتفاق معه للإيقاع بها، مضيفاً أن البطاقة الوطنية والتقنية بواسطة البصمة وسائل علمية قادرة على أداء دور بدائل سابقة كانت تحدث فيها بعض المخالفات، مؤكداً على أن المرأة مثل الرجل تماماً من حيث التعريف بنفسها عبر هويتها المزودة بصورتها، ولكن في حال "النقاب" وعدم كشفه الوجه، أو تمنع المسؤول عن مشاهدة وجهها لمطابقتها بصورتها، فهناك عدة طرق للتعريف بها دون مشقة المعرِّف من الرجال، وخصوصاً أنه من التناقضات أن يقبل المعرِّف من غير المحارم وتمنع هويتها من التعريف بها، موضحاً أنه من البدائل بصمة الأصابع أو بصمة العين، لأنه في ظل تقدم العلم والتقنية فليس هناك عوائق، ذاكراً أن الواقع مؤلم وفيه ظلم للمرأة، بل ومشقة بالغة عند ممارستها لحقوقها المدنية.