في إطار المحاور العلمية لمشروع الملك عبدالله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء تعتزم وزارة العدل - خلال الأسبوعين المقبلين - اطلاق ملتقى من أهم الملتقيات في رؤية منظري السياسة العقابية، وهو ملتقى «الاتجاهات الحديثة في العقوبات البديلة»، وذلك توطئة لما تستشرفه من اعتماد مشروعها التنظيمي في هذا الموضوع المهم الذي رفعت عنه وزارة العدل بعد عدة استطلاعات ومقارنات عديدة، ويدرس حالياً في الدوائر التنظيمية وستشارك في ذلك العديد من الجهات ذات العلاقة حسب المتبع في دراسة المشروعات التنظيمية، حيث تعتمد هذه الدراسات على قاعدة مؤسسية عميقة وفاحصة بدقة في تقويم المشروعات التنظيمية، وهذا المشروع حسب مصادر الوزارة قابل للتعديلات وفق أطروحات الدراسة والمناقشة في الدوائر المختصة، كما تشير مصادر الوزارة بأنها تلقت مقترحات عديدة أكاديمية، وممارسة في العمل الاجتماعي والنفسي، والسياسة العقابية وغيرها. ينظم خيارات العدالة ووصف معالي وزير العدل «د. محمد بن عبدالكريم العيسى» هذا المشروع الطموح قائلاً: مشروع نظام العقوبات البديلة ينظم خيارات عدالتنا حول نظريات السياسة العقابية في الفقه الإسلامي، والاتجاهات الحديثة التي لا تتعارض مع المادة الموضوعية لفقهنا الشرعي، بل تنسجم مع دلالات نصوصه، حيث الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، بل إنَّ هذه الحكمة تعتبر في حقيقتها ومآلها فقهاً شرعياً لدخولها بالتخريج في إطار مقاصد الشريعة التي استوعبت بنصوصها وفهوم علمائها كافة نظريَّات: (العَدَالة) وفق توصيفنا الشَّرعيّ، كما يشترط في تطبيق العقوبة البديلة شروط أخرى مبينة في مشروع النظام، مضيفاً:»ويتضمن المشروع تعريفا موجزا للعقوبات البديلة اختزله في أنه الاعمال والتدابير والإجراءات البديلة للعقوبات غير المقدرة شرعاً، التي تخضع للسلطة التقديرية للقاضي ويكون من شأنها تحقيق المصلحة المرجوة من العقاب وضمان حق المجني عليه وحقق المجتمع وفق نصوص الشريعة ومقاصدها الجليلة». شروط التطبيق يتم تطبيق العقوبة البديلة بعد صدور الحكم المتضمن إيقاع العقوبة الأصلية على الجاني بناء على طلبه، ولا يجوز تطبيقها إذا كان المحكوم عليه من أرباب السوابق أو كانت العقوبة المحكوم بها من العقوبات المقدرة شرعاً، أو كان في تطبيقها مساس بالأمن أو إذا استعمل في الجريمة سلاح أو إذا كان في تنفيذ الجريمة مساس جسيم بكرامة الضحية. تنفيذ نظام العقوبات البديلة يقلل من عدد السجناء أنواع العقوبات ونص مشروع النظام على أنه يجوز للقاضي في الحق العام استبدال عقوبة الجلد أوالسجن المحكوم بها على الكبار بالقيام بأعمال ذات نفع عام لصالح جهة عامة أو القيام بأعمال اجتماعية أو تطوعية، كما يجوز له إحالة المحكوم عليه إلى العلاج الطبي أو النفسي والاجتماعي إذا كانت المشكلة النفسية أو الاجتماعية التي يعالج منها سبباً في ارتكاب الجريمة، وكانت المصلحة في علاجه أكبر أو مساوية للمصلحة من سجنه وكانت مدة العلاج لا تزيد على ستة اشهر، وأن يضاف إلى ما سبق ما يناسب من الأعمال أو العقوبات. عقوبة الكبار تأتي هذه العقوبات للكبار على شكل تعلم مهنة معينة والتدرب على ممارستها، وتكون مصدر رزق له إذا كانت ملائمة لقدراته الجسدية والعقلية والنفسية ولم يتضرر أحد من الجريمة، وكذلك «الإفراج المشروط» حيث نص مشروع النظام على وجوب تحديد شروط الافراج بدقة وفي حالة اخلال المحكوم عليه بهذه الشروط يعاد إلى السجن ولا يكون الافراج نهائيا الا بعد انقضاء مدة السجن، وكذلك «الحرمان من إصدار الشيكات» خلال مدة تحدد بدقة وتبلغ مؤسسة النقد بالقرار لتعميمه على البنوك، وعدم حيازة الاسلحة او استعمالها او حملها، وأيضاً «المنع من قيادة السيارة» اذا لم تكن مصدر دخله الوحيد وإذا كانت كذلك فرتب النظام إجراء آخر، وكذلك «المنع من الاتصال ببعض الاشخاص او دخول اماكن معينة» اذا كان ذلك يساعد على صلاحه ويمنع التأثير السلبي على شخصيته وسلوكه. السجن ليس حلاً في كثير من القضايا عقوبات أخرى وكذلك من العقوبات للكبار «المنع من مزاولة بعض الاعمال ذات الطبيعة المهنية او الاجتماعية او التجارية» اذا كان لارتكاب الجريمة علاقة بمزاولة ذلك النشاط او كان يخشى معها العودة لارتكاب الجريمة، وأيضاً «تقييد الحرية خارج السجن في نطاق مكاني محدد ومناسب» ويجوز اتخاذ التدابير المناسبة مثل وضع القيد الالكتروني في معصمه او الزامه بالحضور امام الشرطة او غيرها في ساعة محددة، إضافة الى عقوبات اخرى منها: «عدم مغادرة المنزل»، و»المنع من السفر»، و»العقوبات البديلة على صغار السن»، و»الانذار والتوقيع على عقد اخلاقي بالتوقف عن السلوك»، و»الاحالة إلى العلاج الطبي او النفسي او الاجتماعي»، و»المشاركة في انشطة تعليمية او تنموية»، و»اداء بعض الاعمال التطوعية او الاجتماعية في المؤسسات التي تضررت من الجريمة». شرط خاص بالأطفال واشترط مشروع النظام عدم ابعاد الصغار عن الجو العائلي واستمرارهم في الدراسة ضمن ضوابط معينة مقدَّرة سلوكياً ومجتمعياً ونفسياً مع التشديد على استعانة القضاء بالخبرة الاجتماعية والنفسية في الوقائع المتعددة التي لا يحكمها ضابط معين، مع حفظ حق المجتمع بالنسبة لجنوح الطفل والتحفظ من تأثير سلوكياته السلبية على غيره. الصلح في الجرائم ونص مشروع النظام على انه يجوز اجراء الصلح بين المدعي والمدعى عليه بناء على طلب احد اطراف الدعوى او اقتراح من القاضي اذا كانت الجريمة من الجرائم اليسيرة، ويترتب على هذا وقف الدعوى وللادعاء العام تحريك الدعوى اذا ظهرت امور تستدعي ذلك. مدة العمل الاجتماعي وحدد مشروع النظام مدة الاعمال ذات النفع العام او الداخلة في نطاق الاعمال الاجتماعية او التطوعية بأربع ساعات عمل عن كل يوم من ايام السجن على الا تتجاوز مدة العمل ثمانية عشر شهرا، ولا يحرم المحكوم عليه من الاجازات الرسمية، وكذلك نص مشروع النظام على انه اذا استحال تنفيذ العقوبة البديلة او استحال استبدالها فيكمل المحكوم عليه عقوبة السجن بعد اسقاط المدة التي مضت من العقوبة البديلة، واذا كان المحكوم عليه صغيرا فيجب اخذ رأي اللجنة المنصوص عليها في المشروع قبل إصدار قرار إكمال عقوبة السجن. تغيير العقوبة البديلة وكذلك نص المشروع على تغيير العمل او استبدال العقوبة البديلة اذا رفضت الجهة المستفيدة عمل المحكوم عليه لديها من دون سبب معقول او عند عدم ملاءمة مواهبه للعمل أو لمبرر آخر يمكن قبوله، وكذا اذا تبين ان تنفيذها يلحق الاذى بالمحكوم عليه او اسرته، وأيضا نص مشروع النظام على تشكيل لجان تكون من مختصين في الشريعة والانظمة وعلم الاجتماع وعلم النفس والخدمة الاجتماعية وطبيب نفسي لدراسة حال المحكوم عليه وابداء الرأي في العقوبة البديلة المناسبة، وكذلك تضمن مشروع النظام بعض المواد التي تضمن المرونة المطلوبة لتنفيذ النظام منها ان تحديد الجهات الامنية ذات العلاقة بتنفيذ العقوبات البديلة يكون بقرار من وزير الداخلية. ملتقى دولي وحسبما أشير إليه فإن وزارة العدل خلال الاسبوعين القادمين حشدت ملتقى دولي عن (الاتجاهات الحديثة في العقوبات البديلة) ويضم نخبة من المختصين من داخل المملكة وخارجها، ويهدف الملتقى للتعريف بأهمية العقوبات البديلة في المجتمع ونتائجه المتوقعة على المستهدف الأصلي بالعقوبة ومجتمعه. ضرورة التطبيق ويتفق جميع المختصين على ضرورة تطبيق العقوبات البديلة في المملكة، موضحين ان التوقيف في السجن ليس هدفا بحد ذاته، بل هو وسيلة للحد من الجريمة، وردع مرتكبها، وإيصال رسالة إلى المجتمع، بأن النظام يجب أن يعم ويسود على ضوء الضوابط الشرعية، وأن أي خرق له من شأنه التأثير سلبا في سلامة المسار المجتمعي. الاختلاط بالمجرمين ويرى المختصون ان من أهم اهداف نظام العقوبات البديلة هو منع تخريج مجرمين جدد، فالسجين قد يقضي شهرين أو ثلاثة أو سنة أو أكثر في السجن وقد تكون جريمته يسيرة وهو غير معتاد على الإجرام، ولكن هذا السجين مهما بذل من الضمانات والتحفظات إلا أنه قد يخرج من السجن وقد تعلم من فنون الإجرام ما يجعله مجرماً عاتياً، وهذا ما تعانيه دول العالم كافة، وليس أحد مستثنى من هذه الإشكالية، فعزل السجين يمثل مشكلة كما أن اختلاطه بغيره يمثل مشكلة أخرى، وفرز السجناء على حسب القضايا لم يستأصل السلبية التي يتمنى المصلحون حسمها من جذورها بمثل هذه البدائل التي نجحت إلى حد كبير عند من أحسن توظيفها وتنظيمها.