يقول نائب وزير التعليم العالي الدكتور "أحمد السيف" في مؤتمر صحفي عقده يوم الاثنين الماضي بمناسبة الإعداد المسبق لاجتماعات الدورة الاستثنائية للمؤتمر الإسلامي لوزراء التعليم العالي والبحث العلمي في الدول الإسلامية الذي عُقد في الرياض.. يقول: "إن وزارة التعليم العالي تؤمن بأحقية طلابنا وطالباتنا في الحصول على مقعد في الجامعات .. وأن لدى الوزارة حلولاً سوف تعلن عنها العام القادم لاستيعاب جميع خريجي وخريجات الثانوية العامة" وقبل ذلك بليلة واحدة .. استمعت - عبر التلفزيون – إلى نائب وزير التربية والتعليم الأستاذ "فيصل بن معمر" يقول: "إن الوزارة ستعمل من بداية العام الدراسي القادم على تأمين مقعد لكل طالب يتقدم إليها حتى وإن أدى ذلك إلى زيادة عدد الفصول الدراسية أو إحداث مدارس جديدة سواء بالإيجار أو الإنشاء" وقد بدا لي التصريحان المترادفان وكأنهما جزء من توجه مشترك وضعته الدولة وطالبت به مؤسسات التعليم العام والتعليم العالي .. وكأنها تعيد بذلك الجميع للتذكير بسياسات التعليم التي صدرت قبل ثلاثين عاماً من الآن.. وأكدت على "إلزامية" التعليم للجميع .. والتزام الدولة بتأمينه للكل.. والحقيقة أن محبتي الشخصية للأخوين الصديقين النائبين كبيرة.. وكبيرة للغاية.. وكذلك ثقتي وثقة الجميع في جهودهما البارزة في قطاع التعليم.. فالدكتور السيف .. طاقة خلاقة شهدت على يده جامعة حائل الكثير من الانجازات الكبيرة في مرحلة التأسيس لفتت إليه الأنظار وجاءت به إلى وزارة التعليم العالي كي يستفيد الوطن كل الوطن منه.. وهو يستحق ذلك.. والأستاذ "ابن معمر".. رجل بالغ الحيوية.. وكبير الطموح.. ومتعدد المهام والمسؤوليات.. وهو جدير بها جميعاً.. وإذا كان ما يجمع الاثنين أكثر من غيره فهو: الطموح والتواضع والجدية في العمل.. ولا خلاف على ذلك إطلاقاً.. هذه الحقائق كلها.. جعلتني أطمئن إلى أن هناك تفكيراً جاداً في المؤسسات التعليمية في بلادنا بتدارك نتائج صعوبات حصول الطالب والطالبة على مقعد في مدرسة ابتدائية.. أو متوسطة.. أو ثانوية أو في الجامعة .. وهي صعوبات تقتضي اتخاذ تدابير أساسية هامة يرد في مقدمتها: أولاً: ضمان سلامة التخطيط للعملية التعليمية التكاملية بين التعليم العام والتعليم العالي.. في ظل توفر الإحصاءات السكانية الدقيقة.. وطبيعة التوزيع السكاني في كل منطقة.. ومدينة وقرية .. وحقيقة الاحتياج القائم لإنتاج خطة خمسينية.. تحدد كل ذلك من منظور استراتيجي بعيد المدى وقائم على أسس علمية .. وموضوعية.. وتنموية صحيحة ثانياً: إدراك أهمية الحرص الشديد على توفر "الجودة" في العملية التعليمية بكل اشتراطاتها التي لا تستجيب للعواطف والتمنيات أو الضغوط الاجتماعية.. بقدر ما تلبي احتياجات "البلد" ومتطلبات التنمية الواعية والمستحقة وضرورات تحقيق هذه الجودة في المخرجات النهائية للعملية التعليمية وهي مخرجات تتطلب (4) أمور هامة.. تبدأ بمراجعة سياسات التعليم العام . وسياسات التعليم العالي بصورة جذرية.. وعلى أسس علمية بحتة.. من قبل أخصائيين وخبراء تربويين على درجة عالية من المهنية وبعيداً عن العاطفية.. أو الأدلجة أو المقاربات التي لا تخدم الوطن ولا تسهم في التوصل إلى عملية تعليمية متكاملة وتؤدي إلى مراجعة هياكل التعليم .. ووظائفه وتوصيفاته للحصول على المعلم الكفء وعضو هيئة التدريس المؤهل والمقتدر على أداء المهمة التعليمية بمقاييسها وشروطها الفنية والتربوية والشخصية الضرورية.. وبالتالي البدء بمعالجة أكبر مشكلة تواجهها العملية التعليمية ممثلة في ضعف كادر التعليم العام.. وعدم أهلية الكثير من أعضاء هيئة التدريس للانخراط في هذه العملية وإن حصلوا على أعلى الدرجات العلمية.. والانتهاء .. بالمواءمة بين تطبيق المعايير العلمية والمهنية والفنية لمخرجات التعليم العام والتعليم العالي في النهاية وبين احتياجات السوق التي تغفل الوظائف الأساسية التي قامت الجامعات وكافة مؤسسات التعليم عليها.. ثالثاً: استيعاب كافة المتغيرات السياسية والأمنية والثقافية والاجتماعية التي تمر بها المنطقة والعالم .. وما تفرضه من نقلات نوعية في أنماط التفكير لدى الجيل الجديد.. وفي طبيعة الاهتمامات والأولويات الجديدة .. ووضع التشريعات .. والقوانين التي تطلق عملية التعليم إلى آفاق جديدة رحبة وغير مقيدة بأنماط فكرية وثقافية تقليدية.. لن يقبلها منا المستقبل.. ولن تكون صالحة للتطبيق مع جيل يتمتع بسعة الأفق والتواصل مع وسائل الاتصال والمعلومات وقنواته التي أطلقت العنان لقدراته للتفكير في كل اتجاه.. كما أنه لم يعد متقبلاً لسياسات ومناهج ومفردات مؤسسات التعليم القائمة على "الحفظ" و "التلقين" و"الحشو" وإلغاء القدرة لديه على التفكير والتحليل.. وحرية إبداء الرأي.. والقبول والرفض لما بين يديه.. هذه الحقائق وتلك الأسس والمنطلقات.. هي التي يجب أن تكون "فارقة" في توجهنا نحو تعليم متحرر من كل القيود والضوابط المعطلة لقدرات الإنسان العقلية والذكائية.. وهي التي يجب أن تكون محل عناية مؤسسات التعليم في هذا الوقت الذي نتجه فيه إلى التوسع "الكمي".. وهو توسع طبيعي.. وضروري ولكنه لا بد وأن يقترن بتوفر الشروط النوعية .. للخروج من مأزق تصنيف المملكة في ذيل قائمة مؤسسات التعليم في العالم مع كل أسف رغم توفر الإرادة لدى الدولة والمواطن على تحسين وتطوير مستوى التعليم .. وزيادة الإنفاق المدروس عليه.. بالمزيد من حسن التخطيط واستيعاب جميع الأبعاد والمتغيرات السائدة في هذا العالم.. وما أكثرها .. وما أخطرها.. وما أجدرنا بأن نعيها كل الوعي.. وأن نعمل على إعداد الأجيال القادمة للتعامل معها بكفاءة واقتدار كاملين. *** ضمير مستتر ** لا تنمية .. تتقدم على التنمية البشرية النوعية في الوصول إلى الأهداف .. وتفادي الأخطار المحيطة بالدول والشعوب.