لا أختلف كثيرا أو قليلا مع بعض المثقفين السعوديين الذين تدفعهم الرغبة المغرورة أو المقدرة والثقة على الظهور كضيوف في بعض برامج الإعلام المعادي أو إذا أردنا استخدام تعبير مهني محايد قلنا: إعلاما موجها ضدنا.. وحق التعبير عن الرأي قبل أن يكون بندا في دستور أو إجراء تنظيمي للكلام والصورة، هو حق إنساني لكل إنسان له القدرة على التنفس والتفكير. بعض أساتذتنا الأجلاء لهم حضور مميز في الكثير من قنوات الأشقاء وأنصاف الأشقاء والأعداء، وتنم مشاركاتهم عن عقلية مثقف طوى عقله على الكتب العلمية والتاريخية، آخر حضور فضائي كان في قناة العالم الإيرانية بعد القرار التاريخي السعودي المتضمن مشاركة المرأة السعودية كعضو في مجلس الشورى وحقها في الانتخاب في المجلس البلدي، قناة العالم أرادت أن تهنئ المجتمع السعودي على هذا الإنجاز العظيم بطريقتها الخاصة والماكرة، وأنا هنا لا أريد أن أضيف جديدا لمعرفة القارئ بتلك القناة، ولكن أريد أن أتشارك معه بجدوى مشاركة مثقفينا بتلك القناة، ومن هذه المعرفة ربما نتوصل معا لضرورة الوقوف أمام كاميراتها واحداً تلو الآخر لنحجز لظهورنا على شاشتها من وقتها وقتا، ونبتسم إذا استهزأ مذيعها ونستنكر إذا أدان، وعند ابتسامته الصفراء الماكرة ينتهي وقت البرنامج! أو نتوصل إلى أن المقاطعة التامة لتلك القناة تعد أفضل وسيلة رد على توجهاتها العدائية المفضوحة، ونتعامل معها مثل ما نتعامل مع السفيه الحاقد الذي لا يطولك منه إلا الشر الابتعاد عنه مكسب والصمت على صراخه يصيبه بلوثة الجنون.. ومن هنا يتضح لعزيزي القارئ أنني أميل للمقاطعة وإن اعتقد القارئ بذلك فأنا فعلا كذلك، وسبيلي للوصول لهذه النتيجة هي تجربتي الخاصة في مشاهدتها والتي كان سبب هذه المشاهدة مشاركة أحد مثقفينا في برنامجها، ولولا وجود هذا السعودي لما توقفت عندها دقيقة واحدة، وهنا مصدر مكسبها وخسارتنا فهي بمشاركة الضيف السعودي تضمن لنفسها نسبة مشاهدة عالية، وتوحي أو تدعي أنها تتوخى الموضوعية والحياد وتعطي للطرف الآخر حق المشاركة والتعليق، وبهذا خلقت شرعية لخطابها الحاقد عن طريق الحيادية المزعومة.. وقد يقول من يقرأ هذا الكلام: إن مشاركة الطرف الآخر تعد ممارسة أخلاقية وتوجهها مهنيا نحو الموضوعية، وهذا في جزء منه صحيح، وقد يصدق أغلب هذا القول على الكثير من القنوات الأجنبية الموجهة للعالم العربي، ولكن مع هذه القناة التي لا يصدق معها صدق ولا يعريها كذب وصفتها الموضوعية هي مثل تماما موضوعية مطالب القائمين عليها بحق الأقليات في غير بلادهم وهم من يمنع أي نفس لا ينتظم مع نفس الملالي بالشهيق والزفير...، فكلنا يعرف بأنها كاذبة ومدعية وخطابها الموجه لنا عدائي يفضح أهداف القائمين عليها بدون أن يأخذ من مكانتنا شيئا، فالصدق مع الكاذب بعد معرفة كذبة فعل لا يليق بعاقل. ولدي كذلك إعتقاد آخر يذهب إلى آخر نقطة لحدود مقاطعة تلك القناة وهو بأنها تتصيد الأشخاص النبلاء والوطنيين المدفوعين بحماس للدفاع عن مكتسبات وطنهم ومواقفه لتلبسهم الاتهام وتكسب منهم اتهام المشاركة، إن معرفة الشيء جزء من الحكم عليه، والوقوف خلف سلاح العدو لا يمكن أن يقاس بالوقوف أمامه ، ومثل ما قال كاتب قديم: "ولو عدوك رماك بالنار فاستطارت في ثيابك أو متاعك لما دخلك الشك أن عدوك هو النار حتى تفرغ من أمرها".