حين تتصور أن العنف هو وليد لحظة أو هو ردة فعل مستفزة لم تكن في الحسبان، قد تكون مخطئا لأنك في هذه الحالة تحصر العنف في تصرف جسدي لحظوي حاضر أمامك، العنف لا يختصر بحركة يد ترفع في وجه الآخر أو اعتداء جسدي بالضرب أو الإيذاء، هذه صورة من صور العنف التي لا يمكن تبريرها ولا قبولها، بل يمكن تصنيفها ضمن الهمجية المرفوضة. فأنت كإنسان متحضر تملك من القدرة على ضبط النفس ما يمنعك أن تتطاول على الآخرين، أنت قد تملك القوة والقدرات الجسدية لكنك تسمو بنفسك عن التصرفات الهمجية التي تلبس ثوب الحماقة وتبررها أعذار غريبة مثل الغضب أو الاستفزاز. العنف لا يمكن حصره فقط في صورة التعدي الجسدي وتجاهل الصور الأخرى، لأن هذه نتيجة لتربية فكرية واجتماعية معينة، تبرر استباحة الآخر بكل الصور الممكنة وغير الممكنة. فمثلا قد نفسر ولا نبرر العنف الجسدي الإجرامي من أب ضد أبنائه أو زوج ضد زوجته بدعوى الإدمان أو الاعتلال النفسي أو العقلي لكن هذا لا ينفي خطأ هذا التصرف أو تجريمه، وفي نفس الوقت لا يمنعنا من التساؤل عن الأسباب التي تفرز هذا العنف الموجه ضد الطرف الضعيف من طفل أو امرأة، حيث يلازم هذا العنف الجسدي عنف لفظي ونظرة دونية لضحية العنف، وقد يحتار متخصصو النفس في دراسة الشخصيات هذه لكنهم يساهمون في كشف الكثير عن ميكانيكية هذه العقليات غير السوية. التعدي على الآخرين لفظيا صورة من صور العنف، استسهال اتهام الآخرين في أعراضهم ومبادئهم وفي كل ما ينتمون إليه صورة أخرى من صور العنف، تحويل أي حوار إلى حلبة مصارعة تتقاذف فيها الاتهامات بلا دليل واللكمات اللفظية أو المتبادلة التي تنقل النقاش الحضاري إلى ما يشبه ساحة حرب لا يحكمها قانون إنساني، كل هذه سلسلة متكررة تستند على العنف كمبدأ يرفض كل ما لا يشبهه أو يختلف عنه. مفردات العنف تشمل الإقصاء، الرفض، عدم استيعاب الآخر، عدم الاعتراف بالآخر، والعقلية التي تتقبل العنف وتروج له وتتبناه كأسلوب تعاملي عقلية مقولبة فيها بعض من جنون العظمة وبعض من الانعزالية والإعجاب المرضي بالذات وكثير من عدم الثقة. للعنف مفردات وصور مختلفة لابد أن نكون واعين لها.