إن الضغوط التي سيمارسها من سيجعل العالم أفضل، سيكون معيار المساعدات أو القروض طويلة المدى وبفائدة قليلة، من نصيب من يثبت الكثير من الولاء ومن الطاعة العمياء. (ودع البنتاغون يوم 29 نيسان (أبريل) الماضي (بول وولفويتز) بحفل تخلله عرض عسكري، والمناسبة هي انتقال (بول) من مساعد وزير الدفاع (رامسفيلد) إلى رئاسة البنك الدولي، التي بدأت أول هذا الشهر.. بعد أن شكر وولفويتز المحتفلين، أعرب عن ارتياحه لفعل الجيش الأمريكي، وبتحرير خمسين مليون إنسان من الطغيان أغلبهم من المسلمين، وطلب من الحضور التصفيق بحرارة للجنود المجهولين الذين يخدمون بلادهم كل يوم بصمت، مشيداً بالجنود الذين يسقطون بالمعارك. واعداً (أنه سيجعل العالم أفضل) أوردته أ. ف. ب ونشرته الصحف). من هذا المنطلق رأيت أن من سيجعل العالم أفضل يستحق أن أخصص مقالي هذا الأسبوع له. أثناء تحليق الرئيس بوش الابن على أنقاض برجي التجارة العالمي، كان الغبار والدخان لايزالان يتصاعدان منهما، خاطب مساعديه قائلاً (انظروا جيداً، هذه بداية الحرب الأولى في القرن الحادي والعشرين).. ثم أعلنها حرباً صليبية، ومن ليس معنا فهو ضدنا.. وقيل آن ذاك عن كلمتي (حرب صليبية) أنها زلة لسان، لكن زلة اللسان هذه زلزلت العالم ومازالت مزلزلة. في مساء الجمعة 14/سبتمبر بعد ثلاثة أيام فقط، حيث لابد من تأكيد تحديد الجاني والعقاب، واحتمالات الكيف ومخاطره كان اجتماع ضم الرئيس ومستشارين رئيسيين في كامب ديفيد ثم التحق بهم مدير ال CIA ومساعدا وزيري الدفاع والخارجية، على مدى أربع ساعات تم استعراض الاختيارات والمخاطر والتأثير في حالة التدخل في أفغانستان. وهنا تدخل رجل فطلب الكلام، لم يكن ذاك الا صاحبنا الذي سيجعل العالم أفضل، بول وولفويتز (مساعد وزير الدفاع) وطلب مهاجمة العراق، فهي كما يراها قمة الإرهاب، ولا يجب تمييز إرهاب جيد وإرهاب حسن، فحزب الله وحماس يوازيان ويساويان القاعدة.. رد عليه (باول) وزير الخارجية بأن العراق حتى اللحظة لم يبن أن كان له دخل لا بالقاعدة. ولا بالإرهاب.. لكنه أسهب بضرورة ضرب العراق، مما حدا أن يطلب منه بلطف السكوت. ذاك لفت نظر الرئيس (بوش الأبن) بقوة وطلب منه البقاء لما بعد الاجتماع، حيث جلس قرب الرئيس وكوندليزا رايس، ليشرح ويسهب بضرورة معاقبة العراق لأنها راعية الإرهاب. اذهل هذا الأستاذ الجامعي ذو الثمانين عاماً سيد البيت الأبيض (الذي لا يعرف الكوع من البوع) فهو أستاذ جامعي ابن لجامعي يهودي، يتكلم ست لغات. يشرح بثقة عن كيف سيكون العراق مثالاً للديمقراطية بعد سقوط صدام. مخالفاً بذلك رأي طاقم الخارجية الأمريكية. يزداد الرئيس إعجاباً بهذا الرجل الذي فكر بما لم يخطر على بال. وكان الرأي الذي اتفق عليه جهابذة الصقور آن ذاك ومن رؤوسهم وولفويتز هو ما عبر عنه آن ذاك ريتشارد بيرل أقرب صديق لصاحب (العالم سيكون أفضل) في رده على الصحفيين. سبب تفاؤلي أننا، بعد تدمير نظام طالبان ونظام صدام حسين، سوف تكون رسالتنا واضحة إلى الآخرين وهي: الدور عليكم، كلمتان لا غير. فهي الدبلوماسية الفعالة جداً، الدور عليكم في لائحتنا، فإذا لم تقضوا على الشبكات الإرهابية المستقرة في أراضيكم. سوف نعمد إلى القضاء عليكم، أنتم أيضاً). لقد أتت الفكرة أكلها كما يقال فيما بعد، تخلت ليبيا طوعاً عن بدايات سلاحها النووي، ودفعت دم الشعب الليبي تعويضات لما سمي بحادثة لوكربي، ولم تفكر بطلب تعويضات عما جرى من ضرب لها، ولا لإسقاط طائرتها المدنية، معتمدة مبدأ عربي جديد اسمه (ياالله السلامة) وهو مبدأ نهل منه الشعب العربي الكثير ومازال ينهل.. وبدأت الدول العربية الأخرى تفتح عليها أبواباً مغلقة كانت، فأصبحت تقتل هنا وتطارد هناك وتعتقل لتنظف الدار من خلايا موجودة أو يحتمل وجودها، أو ربما يشتبه بها مستقبلاً. وقلمت أظافرها وأظافر أظافرها وأتت على اللحم، فتخلت سوريا عن دور كبير لها ولحقتها دول عربية أخرى حليفة سراً أو علناً لأمريكا، ثم تم الرصد لصيدها وحزب الله عبر قرار 1559، وذلك لتخلص ثأر إسرائيل منها ومن حزب الله معاً خاصة بعد ان تم طردها من لبنان بلا قيد ولا شرط. ولكن هل صار العالم أكثر أمناً؟ وهل صار العالم أو سيصير أفضل؟. قال بوش في آخر حديث له حتى كتابة هذا المقال ما مناه: إن الإرهاب تركز الآن بالعراق، فلم تعد هناك عمليات إرهابية تجري في أمريكا.). هذا يعني أن الإرهاب أو أعداء أمريكا المنتشرون والمختفون في أنحاء العالم يتجمعون في مكان واحد، وبدلاً من أن يأتوا لأمريكا أتت هي لهم، فلقد اختارت أمريكا الميدان، بتوجيه ورعاية من صاحبنا. هذا الميدان هو قلب العالم العربي والإسلامي ورمز الحضارة العربية الإسلامية، كما يمثل إرهاباً قديماً جداً عمره أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة عام، حيث سبى بنوخذ نصر أورشليم مرتين. وهنا كانت العصافير كثيرة التي تقع في شباك (وولفويتز) اليهودي المتعصب، وأن نقر بعض منها أعين الجنود، فمئتا ألف جندي، ومهما ضرب منهم لن يؤلم، مثلما هي المصائب التي حصلت وتحصل، العراق لم ينعم بالديمقراطية لكن نعم ببرك من الدماء، ومن تخريب وتدمير للجامعات ومراكز التعليم ويكاد العلماء يذبحون ذبح الخراف. وفاحت رائحة الطائفية لتزكم الأنوف وهي التي لم يعرفها العراق قط. ولو تركنا العراق جانباً، وقلبنا النظر يميناً وشمالاً، وعبرنا في أنظارنا مختلف الدول العربية، وخارج حدودها وخاصة الدول الإسلامية منها الباكستان وأفغانستان، التي دخلت المذبح بداية. وجدنا الجميع في صراع، هذا الصراع المريع يدور في حلقة مفرغة، أمريكا تمد السوط للحكام، تهزهز قليلاً درجات الكراسي يميناً وشمالاً، فيمسكون المهمة لتأديب الضالين ويجعلونهم يعودون للصواب، يحمون الحدود أو يقيمون حدود، وبين حدود وحدود، يضيع الإنسان العادي، الذي سيتولى من يجعل العالم أفضل أمر لقمته عبر البنك الدولي. هذا الإنسان البسيط سيكون إما عاطلاً أو مهدداً بالبطالة أو يهده الخوف صباح مساء لينقل رعبه فيهد حيل الزوجة والصغار. إن الضغوط التي سيمارسها من سيجعل العالم أفضل، سيكون معيار المساعدات أو القروض طويلة المدى وبفائدة قليلة، من نصيب من يثبت الكثير من الولاء ومن الطاعة العمياء. قبل سنين طويلة على ما أظن في عام 1955م، طلبت مصر تمويل السد العالي عبر البنك الدولي، رفض البنك ذلك، وكان طبعاً خاضعاً لمعايير كثيرة، وكان أهم هذه المعايير غير المعلنة، الرغبة بتقليل وتحجيم عبدالناصر ومده القومي، وكذا معاقبة الاتحاد السوفيتي عبره. تولى الاتحاد السوفيتي المهمة ومول بناء السد. وقد حمى السد مصر من الفيضان كما سهل وصول مياه النيل إلى مناطق كانت محرومة منها، فزادت الرقعة الزراعية، كما لا يمكن أن ينسى ما حرك الاقتصاد المصري آن ذاك، من عمليات جانبية كبيرة، بجانب العمل في السد، ولعل من بينها نقل الآثار الفرعونية في الوادي الكبير خوفاً من مد المياه فيما بعد وإغراقها، حيث لم تكن آن ذاك منظمات الأممالمتحدة تغلق عيونها حسب الذبذبات الأمريكية. ولقد أدت وفرة الأعمال لارتفاع قيمة الجنيه المصرية. حدث ذلك من البنك الدولي وكان العالم آن ذاك موزع بين قطبين كبيرين، وكانت حركة الحياد الإيجابي وليدة ولكنها قوية.. فما بالنا ونحن في زمن الإمبراطورية الأمريكية وأباطرة متعددين، ومن أباطرة الطاقة والمال، والمعلوماتية إلى أباطرة السلاح، وعلى رؤوس هؤلاء أباطرة الحقد.. قد يجدر بي كلام مختصر عن البنك الدولي الذي سيتولى (من سيجعل العالم أفضل أمره) هو منظمة مالية ممولة من شركاء عديدين على رأسهم الولاياتالمتحدة كممولة أكبر ثم دول أوربية مختلفة، ودول أخرى منها دول الخليج العربي، عادة كبار القوة السياسية والعسكرية يتحكمون ايضاً بالقوة المالية، وهذا البنك يقوم بتسليف الدول الفقيرة من العالم الثالث وفق معايير مختلفة وشروط مختلفة، عندما تطلب الدول قرضاً فلابد من دراسة حالة الدول الاقتصادية، ومعرفة دورة رأس المال فيها، طبعاً مواردها، والدعم الحكومي الذي تقدمه لشعبها، بعد ذلك يقوم الدارسون بتقديم التوصيات، وكثيراً ما تتضمن توصيات قد نراها غريبة، مثل الحد من زراعة القمح في بلد يصدر القمح، ثم نجد انه فيما بعد يأخذ مساعدات من أمريكا قمحاً، ومن ثم تطلب أمريكا رضوخ هذا البلد مهددة بقطع المساعدات، أو أن يطلب من بلد كالسودان عدم زراعة القطن، في حين أن أهم صادرات السودان القطن. في كثير من الأحايين لا يقبل البنك الدولي إعطاء الدول قرضاً مالياً مباشراً (قد أجد له الحق فقد يطير الحكام بالقروض وتبقى القروض تقرض جلد الشعوب المنهوكة) ويصر البنك على أن تزويد البلد بمعدات وأدوات بالمبالغ ولكن من شركة أو شركات بذاتها.. من خلال ذلك يمكن في أغلب قروض البنك الدولي فرض قيود على الدول وإخضاعها.. نعود لسيرة ورئيس البنك الدولي الحالي مرة أخرى، لمن سيجعل العالم أفضل: النائب السابق لرامسفيليد، الذي بدأ حياته السياسية في عهد (فورد) حيث عمل تحت إدارة (كيسنجر)، ثم مديراً للتخطيط السياسي في وزارة الخارجية في عهد (ريجان)، ثم رئيس شؤون شرق آسيا وسفير الولاياتالمتحدة في إندونيسيا - هناك رأي يردد أن سبب حادثة تسو نامي هو تفجيرات كبيرة حدثت في المحيط الهادي. أجرتها الولاياتالمتحدة، ولذلك سارع الجيش الأمريكي راغباً علناً في مد يد المساعدة، أما سراً فكانت ليدرس النتائج على أرض الواقع، تربة وبيئة ومصابين.. والعلم عند الله وحده، إن كان ذلك فبسبب تأثير السفير السابق (وولفويتز) ولكن إن صح فيكون ذلك حسبما سنعرفه لاحقاً بسيرة رجلنا الذاتية. في عهد (بوش) الأب أصبح وكيلاً لوزير الدفاع، حتى تغير منصبه بداية هذا الشهر. دعا ومازال يدعو بالمبدأ المنصوص عليه في مذكرة (دراسة الأمن القومي الوطني 200)، القاضية بالحد من سكان العالم الثالث، ليس طبعاً بتنظيم الحمل، وتوفير الرعاية الصحية والمعنوية، وتثقيف العالم الثالث للرقي بأنفسهم وعوائلهم، كما نتمنى وربما تتمنى معنا المنظمات العالمية، إنما بالحرب أو الأمراض الفتاكة، أو بأي وسيلة كانت مشروعة!! أو غير مشروعة. كي لا تستخدم مواردها الطبيعية التي هي ملكاً خالصاً لأمريكا وإنجلترا، وكان على رأس القائمة المستهدفة مصر، وإيران وبعض دول أفريقيا السوداء. من يتذكر فورة الإيدز وما رافقها خاصة ما عرف من بث قردة يحملون المرض في أفريقيا يكاد يجزم ببداية تطبيق فكرة الأمراض الفتاكة، كما أن ما بث في العراق من يورانيوم المنضب منذ حرب 91 حتى آخر يوم في حرب احتلال العراق، آخر تقرير لوزارة الصحة العراقية عشرين حالة سرطان يومياً، طبعاً لاننسى ان العراق تحت الاحتلال وتخفف الارقام مراعاة للسيد المحتل، كذا أن العشرين هؤلاء هم الذين يصلون للمستشفيات ويطلبون العلاج، وهناك الكثيرون ممن يتألمون ويموتون بصمت، خاصة مع ما نسمع من سوء الحالة الأمنية، والله وحده يعلم فيما إذا كانت للأسمدة الملوثة بمصر علاقة بالموضوع إياه أم لا. وهذا بدوره يعيدنا لسيرة قديمة ولقرارات قديمة قدم تاريخ امريكا ودخول الأوربيين القارةالجديدة (القديمة بسكنى أهلها الأصليين) حيث تكون السوابق والشواهد كثيرة ومتراكمة فعلى سبيل المثال أذكر: قبل استقلال امريكا بعشرين عاماً، تحديداً في 3 نوفمبر 1755م أعلنت الهيئة التشريعية لولاية ماساشوستش أن هنود (البينوبسكوت) متمردون وأعداء وخونة ووعدت بتقديم مكافأة لكل من يقتل هندياً وهي أربعون جنيهاً على كل فروة رأس رجل هندي، وعشرون جنيهاً على فروة رأس صبي ذكر تحت سن الثانية عشرة أو امرأة). أخيراً: في مؤتمر صحفي، حاصره الصحفيون بالرقم مائة ألف مدني قتلوا في العراق قائلاً أن هذا العدد لا يمثل شيئاً بالنسبة لسكان العراق.) عدد سكان العراق كان 25 مليون، قبل الغزو وقبل الحصار. بينما، تأثر بالرقم الف وخمسمائة من قتلى الجيش الأمريكي، (كان ذاك في شهر 11 عام 2004) بينما يفوق سكان امريكا الثلاثمائة مليون. هاهو وولفويتز، رجل بين يديه الآن مفاتيح سلسلة المال لتربط رقاب دول العالم الثالث، والعالم الثالث موعود برجال حكم يعرفون كيف يجلسون على الكراسي، وكيف يأمرون، وكيف ينهبون، لكن لا يعرفون كيف يتدبرون الأمور. فتغرق بلدانهم في الديون، ويصرخ الجوع، ثم يذوي جزء فجزء، ولا يتم تسديد الديون، وتتنامى الفوائد، ومن هنا يخسر العالم الثالث، بالإضافة لكوارث طبيعية أو مصطنعة الكثير من شعبه، وتتحقق فكرة (من سيجعل العالم أفضل) فالخبز بين يديه.. إن شاء مسك، وإن لم يشأ منع.. ٭ حسب رأي مؤلف كتاب حرب آل بوش، أريك لوران.