الجيشان العاطفي يجعل أطراف المقال تتفلت من بين أصابعي المرتجفة لا أدري من أين أقارب حزمة هذه القرارات التاريخية الخاصة بالمرأة، كأنني أحاول أن أجمع غيمة مغدقة معصرة في قصعة صغيرة تساوي مساحة المقال، هذا المساحة التي امتهنا فيها عادة الأنين والتذمر والتشكي والتلويح بالهموم النسوية، وتدبيج الأسطر المتشكية من الجور القائم ضد النساء والتهميش الذي تكابده النساء، وحصار الزمان والمكان ضدهن. لكنني الآن أكتشف فجأة أنني أيضا باستطاعتي أن أحول مساحة هذه الأحرف إلى مهرجان أخضر لتمر من خلاله عربة التاريخ، حيث ينبلج لنساء المكان حقول الوطن، تلك الحقول التي لطالما حجب عنهن جناها وغراسها. إنه هو رجل التاريخ نفسه عبدالله، هو الذي - منذ البداية - جعل المرأة شريكة في الإصلاح، وهو الذي استنطق التاريخ وجعلهن يستعدن مكانتهن كشقائق الرجال، ورشق على هامتهن وسام التكريم، وأفسح لهن مجالا في البعثات الخارجية، هو الذي قال: لم نر من النساء إلا كل خير، هاهن نساء الوطن بصوت واحد يهزجن: بل أنت الخير كله يا أبا متعب، يلوحن لقائد يأبى إلا أن يتوغل في تفاصيل سيرة ذهبية نادرة في كتاب التاريخ. هذا القائد بجسارة يعيد ما انقطع من سيرة أولئك النسوة اللواتي شاركن في رسم ملامح التاريخ ابتدأ من البيعة الأولى التي شاركت بها النساء إلى نصف ديننا الذي نأخذه من بين يدي تلك الصبية (الأنثى) الحميراء. ذلك التاريخ الذي اختطف على يد عتاة غلاظ تعدوا على التاريخ والسيرة، واختطوا لهم قانونا عجيبا يقصي النساء ويهمشهن ويحط من قدرهن، ويقولبهن في قوالب الغريزة، لكن من غير رجل التاريخ عبدالله بن عبدالعزيز عاد ليكرمهن (ما أكرمهن إلا كريم وما آهانهن إلا لئيم). 25 سبتمبر 2011، كيف سيكون لون هذا اليوم في كتاب التاريخ؟ وكم من امرأة سترشقه في الذاكرة، وتعصب به هامتها، وتتزين به قلائد، وسيلتف أساور حول الأيدي التي طالبت وحاولت وتأملت وتذمرت ووقعت على مطالب، هذا القرار هو الهوية القادمة لنساء هذا الوطن وكل اللواتي شاركن في بلورة هذا القرار التاريخي، بينما حفيداتنا سيغبطننا لأننا كنا جزءا من المشهد. بدخول المرأة مجلس الشورى ستقترب من مواطن صناعة القرار هذا يعني صورة أوضح لهمومها، زخما أكبر لصناعة قرارات تدعم قضايا بنات جنسها، وأيضا يعني استثمارا لكم هائل من القدرات الإدارية والإبداعية والاقتصادية التي تختزنها مناجم النساء. لم يعد هناك من حيز لتهميشهن وملاحقتهن كأنهن خطيئة متفلتة بحاجة إلى مراقبة ووصاية، هناك فضاء عام يتخلق، يحتفي بالنساء ويقدرهن ويجلهن فضاء صنعه القائد التاريخي الكريم الذي أكرمهن. شكرا أيها الرجل الذي تعشقه جميع نساء وطنه.