الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن رجل الإرادة والعزيمة القوية، ورجل التخطيط والتنظيم والعمل الجاد المتقَن، وصاحب العقيدة الصافية النقية، تجسدت في شخصيته كل معاني ومقومات القائد الملهم، الذي يعمل بجد من أجل البناء وصناعة الأمجاد والحفاظ على المكتسبات. فحينما وحّد أرجاء هذه البلاد في ملحمة بطولية رائعة، سطر التاريخ أمجادها بأحرف من ذهب وبأحرف من نور، سعى - رحمه الله - إلى أن يؤسس لمعطيات دولة حضارية قوية ومتطورة، أساسها كلمة التوحيد والمبادئ والأخلاق السامية، مستمداً ذلك من تعاليم دينه السمحة، شأنه في ذلك أن يصون لهذا المجد بقاءه، وأن يحفظ لهذه المكتسبات ديمومتها، وأن يمنح إنسان هذه الأرض والمقيم على ثراها كرامته وعزته في دوحة دولة يعم الخير والرخاء والأمن أرجاءها. استشعار المسؤولية وسعى الملك عبدالعزيز - رحمه الله - عبر مشوار حياته الجهادية وملاحم البطولة، إلى أن يؤسس لعدد من الوصايا والنصائح العظيمة، وما ترمي إليه في معانيها وفي صميم مضمونها، حيث تجلى من خلالها حكمة القائد واستشعار مسؤولية الولاية وتحقيق الريادة، فكانت العقيدة الإسلامية وصيانتها وإعلاء كلمة التوحيد ونصرة دين الله، أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وعمارة بيوت الله وحماية الوطن والمقدسات أهم شأن يحث أبناءه عليه، لينطلق رحمه الله بعد ذلك في شؤون العامة والخاصة، يكرس من خلال تلك الوصايا معطيات الرحمة والرأفة والعدل بين الناس، وتحكيم الشريعة الإسلامية ومحو الزلات وإقالة العثرات، إلى جانب النصح للأمة وإشاعة المحبة والتراحم بين أفراد الشعب، وتكريس معطيات اللحمة الوطنية بين الجميع، بالإضافة إلى نشر العلم والمعرفة بين أفراد هذا الوطن العزيز. الملك عبد العزيز وابناؤه في وحدة وتلاحم مع الشعب أمن الوطن واليوم يجسد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- هذه الوصايا في كل شأن من شؤون الوطن والمواطن بصدق وأمانة، وفي أروع صورة يقدمها قائد لشعبه وأمته، يتلمس من خلالها موازنة الشدة واللين، كل في نطاق موضعه، يحتسب ذلك عند الله وإبراء للذمة، فهو حريص كل الحرص على صيانة أمن الوطن ومقدراته وحماية مقدساته، وما يكفل سلامة المواطن ومقومات حياته من عبث العابثين وكيد المغرضين، في زمن يشهد العالم من حولنا بحراً متلاطماً من الهزات والنكبات، التي راح ضحيتها الأبرياء والأدعياء، وليجنب هذا الوطن وشعبه غوائل سود الليالي وما تأتي به فواجع الأيام. إعداد أجيال متميزة واستشعر خادم الحرمين الشريفين أن رقي الأمة وبناءها لا يتمان إلاّ على بسط العلم وتكريسه بين العامة والخاصة بنين وبنات، ليكون منهاجاً تستقيم من خلاله حياة الناس ومتطلباتها وإدارة شؤونهم، ولكي يكون لهذا الوطن حضوره العلمي والمعرفي بين الأمم في كافة المحافل العلمية والإنسانية، أسس - حفظه الله - مرحلة جديدة ضاعف من خلالها حقول العلم ومنابره، عبر المزيد من الجامعات والكليات المتخصصة في المدن والمحافظات والقرى، كما أطلق - رعاه الله - برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي والداخلي، ليبلغ عدد المبتعثين عبر هذا البرنامج أكثر من (100) ألف شاب وشابة، وذلك من أجل فتح أفق أوسع أمام شباب الوطن لنهل العلم والمعرفة من كافة مصادره، ولإعداد أجيال متميزة لمجتمع معرفي يستثمر في إعداد موارد بشرية مؤهلة بشكل فاعل، ولتصبح منافساً عالمياً في سوق العمل ومجالات البحث العلمي، ورافداً مهماً في دعم جامعات المملكة والقطاعين الحكومي والأهلي بالكفاءات المتميزة. توسعة الحرم المكي ولم يغب عن ذهن خادم الحرمين أن يكون للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وتطويرهما اهتمام خاص، ما يرفع به المشقة عن الحجاج والعمار والزوار، حينما وضع حجر الأساس مؤخراً لأكبر وأضخم توسعة يشهدها الحرم المكي عبر التاريخ وعبر العصور، توازي ضعف ما تم تنفيذه من توسعات جرت لأركان المسجد الحرام بمكة المكرمة، وما سبقه من توسعة للمسعى، والمشروعات الضخمة لمرمى الجمرات في منى، وما رافق ذلك من توسعة للطرق والأنفاق وإحداث وسائل نقل عبر شبكة ضخمة من سكك الحديد المتطورة في كافة أرجاء المشاعر المقدسة، إلى جانب ما ينفذ من مشروعات تطويرية في المسجد النبوي الشريف، كل ذلك يأتي في إطار وصايا الملك المؤسس - طيب الله ثراه - لأبنائه في خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة والاهتمام بهما، وكذا الاهتمام بعمارة بيوت الله في كل شبر من أرجاء هذا الوطن الغالي وما يلزمها من خدمات ورعاية. رغد العيش إن واقع حياتنا اليوم في هذا الوطن العزيز وفي عهد خادم الحرمين، وما رافق ذلك من رغد العيش والأمن والطمأنينة والاستقرار ومعززات التطور الاقتصادي بكافة ألوانه واتجاهاته، وتلك المحبة المتبادلة بين الراعي والرعية، وبين أبناء هذا الوطن الواحد، ما هو إلاّ نتاج الاعتصام بحبل الله القويم، الذي بنيت على أسسه أركان هذه الدولة، واستمدت من رحيقه تلك الوصايا والنصائح التي كان يسديها الملك المؤسس - طيب الله ثراه - لأبنائه، ومثلها ما كان يوجهه في نفس الوقت عبر المراسلات المكتوبة والمشافهة إلى الأمراء والعلماء والمسؤولين والأعيان وطلبة العلم في كافة أرجاء الوطن، حينما كان - رحمه الله - يخاطب الجميع بأسمائهم ومواقعهم، يشعرهم جميعاً بقربه منهم ويمنحهم الأهمية والثقة، بل ويغرس لديهم المسؤولية ويسدي لهم النصح ويحثهم على فعل الخير واحتساب كل عمل جميل عند الله سبحانه وتعالى. مدرسة ومنهاج ولم يكتف الملك عبدالعزيز بذلك فقد أرشد إلى ما تستقيم به أحوال البلاد والعباد، فكان رحمه الله المربي والمدرسة والمنهاج الذي استنارت بنصائحه ووصاياه الأسر وطناً وقيادةً وشعباً.. رحم الله الملك المؤسس رحمةً واسعة، وأسكنه فسيح جنانه، جزاء ما قدمه لوطنه ولشعبه وللإسلام والمسلمين من خير وعطاء، وحفظ الله لهذا الوطن الغالي مليكه وقائد مسيرته وراعي نهضته خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز وسمو النائب الثاني الأمير نايف بن عبدالعزيز، وحفظ الله لهذا الوطن أمنه واستقراره وطمأنينته وعزته ورفعته.