في توقيت جاء تلقائياً، وبدون خطة مسبقة، توقيع سمو الأمير وزير الخارجية سعود الفيصل مع الأمين العام للأمم المتحدة «بان كي مون» بناء مركز دولي لمكافحة الإرهاب والذي جاء بناء على دعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وبدعم من المملكة بعشرة ملايين دولار يأتي ذلك مع افتتاح سمو النائب الثاني المؤتمر العالمي حول ظاهرة التكفير في المدينةالمنورة نيابة عن الملك عبدالله.. لم تأت هذه الخطوات نتيجة أي ضغط إذا عرفنا أن المملكة انكوت بنيران الإرهاب والتطرف الديني، وإنما استشعاراً منها أن الظرف الزمني يحتاج لحشد دولي لمكافحة هذه الظاهرة التي لم تعد محلية، بل كوكبية بكل ما تعنيه الوقائع المشاهدة.. فالأمر لا يحتمل أن يتهم بلد خرج بعض متطرفيه للواجهة بعمل اجرامي لتعميم الاتهام على الأكثرية الوطنية، فلا نستطيع تحميل ألمانيا وزر بعض النازيين حين يقومون بعمل استفزازي لينسحب على الدولة والشعب، ولا بقايا الفصل العنصري في أمريكا في إلحاق اللوم على كل بيض أمريكا، ونفس المقياس إذا تطرف بعض المسلمين من أي لون أو جنسية، أن يتخذ الإسلام ومئات ملايينه عدواً للبشرية، وحتى في عنصرية ونازية الحكومة الإسرائيلية التي تمارس أبشع المواقف مع الشعب الفلسطيني، نجد يهوداً أحراراً يدينون هذا الفعل.. فالقضية عاشت عمراً طويلاً في معظم الشعوب التي تفترق فيها الأديان والقوميات والعرقيات وتخلق أسباب التطرف، وليس السبب نقص الوعي أو الثقافة، فهناك من النخب من قاد من خلال النازية والشيوعية والفاشية أقسى أساليب التعسف بقناعة ايدلوجية غاب عنها الحق الإنساني.. ظاهرة التكفير التي ينعقد لها مؤتمر دولي وبشراكة موسعة كبيرة في المملكة يأتي على ايقاع فوضى الفتاوى، أو خيار الطريق المعقد والمخالف لسماحة الإسلام وسلامة نهجه.. فالمكفر قد يتفوق على الإرهابي، وإن تلاقيا بالموقف؛ لأن تفسير العقيدة بغير نصها خطورته هائلة، إن لم تكن مدمرة، إذ أن اعتساف النص الشرعي أو تحريفه بغرض خلق الفتن وتشويه المصدر الأساسي للتشريع وصيانة حقوق البشر، لا يقبل علماؤه ومصلحوه أن يتحول التكفير إلى اقتصاص من الأفراد والجماعات بدون حق شرعي، ولذلك، فالمؤتمر يريد تفنيد هذا السلوك حماية للدين من دخلائه.. في الحالتين نجد تلازم محاربة الإرهاب، وردع مسألة التكفير، وفي جهد واحد من المملكة مهمة ليست سهلة، لكن أن تكون صاحبة حشد العالم ضد هاتين الظاهرتين الخطيرتين وأنها نقلت الفكرة إلى الواقع، وتبني مفهوم الشراكة الدولية وجميع المؤسسات والقوى المرتبطة بمكافحة مختلف الخروقات، أو جاءت نتيجة فعل إجرامي إرهابي، أو انتهاج سلوك مكفر لا يراعي القيم المشتركة للإسلام التي تحمي الحق من أي تعسف أو ضلالة، فهذا السعي الكبير أعطى المملكة ميزان القوة المهمة في جعل التعايش الكوني الأساس للسلام بين الشعوب..