أكره الحياد ! لابد أن تنحاز لشيء ما حتى تشعر أنك حي.. انك تستحق الخلافة على الارض.. وحدهم المنحازون هم من يصنعون التاريخ ويوجهون الاحداث ويصححون المعوج، أو حتى يعوجون الصحيح المهم أنهم يفعلون شيئا.. الحياد صفة اساسية في الجماد فلماذا يختار البعض أن تصبح صفة لهم؟ لماذا نعتبر الانفعال صفة مذمومة نحذر اولادنا منها ونعاقبهم إن أظهروا انفعالا ونتهمهم بقلة الأدب إن علت أصواتهم درجة عما (نعتقد أنه) ينبغي ان تكون؟ أليس الانفعال تدرج شعوري طبيعي في استقبالنا للحدث قد يبدأ بتعجب او استنكار او انبهار او ابتسامة ثم تتسع رقعة الشعور حتى تصل للذروة صياحا أو بكاءً أو غضبا او ضحكا كالإعصار؟ في حياتنا اليومية نتعامل مع الانفعال بطريقة فوقية وكأن الصحيح ان يتناسخ البشر ادبا وتعقلا وهدوءاً وأن يتشاركوا ويوافقوا على مبادئ وقيم وافكار واحدة وأن يستيقظوا في وقت واحد ويناموا في وقت واحد وأن يخرجوا للشوارع في وقت واحد ويعودوا للبيوت في وقت واحد، آلات مبرمجة تفعل ما برمجت عليه بلا زيادة أو نقصان وإذا ما خرج احدهم عن المنظومة اليومية استنكره الباقون وسلقوه بألسنة ونظرات حداد.. عيب.. حرام.. خطأ.. من الذي وضع هذه القاعدة اللابشرية وفرضها علينا فصرنا بمنتهى الطاعة نفرضها على اولادنا ونتوارثها كابراً عن كابر بلا تفكير؟.. هل تعلمون السر في ازدحام قوائم المترددين على العيادات النفسية.. إنه مطالبتهم بالحياد، لا تصرخ، لا تغضب، لا تنفعل، اذا تضايقت من ابيك ابتسم في وجهه وإذا أزعجك زوجك بخصلة ابحثي عن الخصال الطيبة التي ستنسيك الخصلة السيئة، وإذا غدر بك صديقك استمح له العذر.. ويتراكم الغيظ والغضب المكبوت سنة بعد سنة حتى يصبح عائقا نفسيا او دافعا سلبيا نحو الجريمة في حق انفسنا وفي حق من حولنا.. ما الضير في بعض الانفعال، ما المشكلة في التصريح بالانزعاج، دقائق من الانفعال وتعود النفوس لهدوئها المهم ان تخرج ما بها ان تعبر عن نفسها ان تقول للخطأ الذي يقتلها انت خطأ.. لو أرادنا الله متناسخون متشابهون متسامحون متراضون لفعل، لكنه خلق داخلنا الاختلاف واستخلفنا في الارض ونحن مختلفين وجعل لنا التوبة حتى نخطئ، نجرب نذنب نستغفر نعود فلسنا ملائكة ولن نكون ولسنا شياطين ولن نكون، فلماذا يتعامل الناس كأنهم أوصياء على بعضهم البعض ويصرون على مجموعة من القواعد المتوارثة كأنها دين لا ينبغي الحياد عنه رغم انه حتى في الدين يمكن وينبغي للبشر أن يخطئوا و إلا لذهب بهم الله و أتى بغيرهم يذنبون ثم يتوبون.. يلومني البعض حين أنفعل وأنا أشرح وجهة نظري وأنا يسعدني أن يصل اليهم انفعالي فربما أكسب الموضوع بعض الحياة بعد أن تجمدت كل المواضيع عند سقف واحد حتى تساوت في أهميتها الصغير كالكبير والتافه كالخطير والهامشي كالمؤثر كأني بكل موضوع بالونة تختلف احجامها وقدرها وأهميتها لكن عندما نطلقها تعلو إلى أن يصدها سقف الحياد فتلتصق به متساوية الأقدار متضائلة الأهمية يسعد منظرها الحيادين ويعذب تقييدها المنحازين وليس لهذا خلقنا.