أقرأ اليوم خبراً وأقرأ نفيه في اليوم التالي، وأحيانا أقرأ النفي في نفس الصفحة من الجريدة الالكترونية. ماذا حدث للدقة والمصداقية وما هو سر انتشار ظاهرة تدفق كم هائل من الأخبار ثم نفي كثير منها؟! ربما يكون أحد الأسباب هو وقوع الوسائل الإعلامية تحت ضغط السبق الصحفي، أما السبب الآخر فهو أن مصدر الخبر يعلن الخبر كبالون اختبار أو لصرف انتباه الرأي العام عن أمور خفية. وهناك أخبار يصعب تصديقها حتى وإن تأخر نفيها ومن ذلك طرد السفير الاسرائيلي من تركيا وتعليق الاتفاقيات العسكرية والتجارية بين تركيا واسرائيل. وفي الغرب يقولون حين سماع خبر جيد: (It's too good to be true) والمواطن العربي والفلسطيني تحديداً يعرف أن اسرائيل دولة فوق القانون، وأنها الطفل المدلل وحين يسمع أخبارها مع تركيا فإنه سوف يردد تلك العبارة منتظراً سماع خبر آخر ينفي توتر العلاقات أو يسمع من اسرائيل أن تصريحات المسؤولين في تركيا هي مجرد استعراض إعلامي. ويمكن قول تلك العبارة أيضاً تعليقاً على المحاولات القائمة الآن لإعلان الدولة الفلسطينية، وكسب الاعتراف الدولي ونحن في عصر يتحدثون فيه كثيراً عن حقوق الانسان يجد الانسان الفلسطيني أن تلك الدول التي ترفع شعار حقوق الانسان تقول للانسان الفلسطيني إنك انسان غير مؤهل لأن يكون لك وطن كالآخرين. مصالح سياسية ومجاملات وتناقضات تتجاهل حقوق الانسان لأن اسرائيل وهي دولة فوق القانون لا توافق على قيام الدولة الفلسطينية، رغم أن هذا الحق المشروع سيتم عبر المنظمة الدولية وليس من خلال وعد وزير لدولة منفردة كما حصل في وعد بلفور لإسرائيل، وسيكون من الأخبار غير القابلة للتصديق أن يتوافق رئيس أمريكا مع المبادئ والقيم التي تحدث ويتحدث عنها منذ توليه الرئاسة ليعلن أنه يؤيد حق فلسطين في دولة مستقلة تحقيقاً للعدالة، وتطبيقاً لمفهوم حقوق الانسان الذي هو الشعار الذي يفضح تناقضات كثير من مواقف الدول الغربية. ومن الأخبار التي يصعب تصديقها ان تقرر حكومة سورية وقف عملياتها العسكرية ضد شعبها، وتعلن اصلاحات سياسية حقيقية وتحدد موعدا للانتخابات وتحاكم المسؤولين عن قتل الأبرياء. وفي الشأن السياسي يقف الانسان حائراً امام الأخبار السياسية المعلنة فالشك يسيطر عليه ولا يدري هل الخبر المعلن هو الصحيح أم الخبر غير المعلن؟ وعندما يخطب نجاد مثلاً بأن اسرائيل سوف تزول يظن السامع أن هذا الخطيب هو قائد تحرير فلسطين، لكن الحقائق تكشف عن أن الخطابات النارية ضد اسرائيل هي للاستهلاك، وان ما يسمى بالمقاومة والممانعة ليس سوى شعارات عاطفية لابد من اطلاقها بصفة متكررة لابعاد الأنظار عن ما يجري في الداخل. في عالم السياسة يحوم الشك حول كل خبر، ولو قيل لنا اليوم إن أمريكا لن تستخدم الفيتو في مجلس الأمن ضد قيام الدولة الفلسطينية فلن نقول (it's too good to be true) بل سنقول (متى سيُنفى الخبر)؟!