حين قرر أبرهة الأشرم - ملك الحبشة - غزو مكة وتدمير الكعبة جعل الفيلة في مقدمة جيشه لإرهاب العرب (الذين لم يعرفوا الفيلة من قبل). وبهذه الطريقة نجح في هزيمتهم نفسياً - قبل هزيمتهم جسدياً - لدرجة هرب صناديد قريش إلى أعالي الجبال خوفاً من الفيلة. ولولا أن أرسل الله على أصحاب الفيل طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل لهدموا الكعبة ودمروا مكة وعادوا لديارهم بلا خسائر تذكر.. وموقف العرب مع الفيلة تكرر بعد الإسلام حين خاضوا معركة القادسية مع الفرس. ففي تلك المعركة لعب الفرس بورقتهم الرابحة وقدموا فيلة ضخمة - تحمل على ظهورها رماة السهام - ونجحت الفيلة فعلاً في تشتيت جيوش المسلمين وكادت تخل بميزان المعركة - لولا أن بدأ الجنود برمي أعينها بالسهام بحيث ارتدت على الفرس وأثارت في جيشهم الاضطراب والفوضى!! واستعمال الفيلة في المعارك مجرد نموذج لاستعمال الحيوانات (عموماً) للاغراض العسكرية.. فالأشوريون، والمغول، والتتار، والهون (الذين دمروا الامبراطورية الرومانية الغربية) استعانوا بكلاب مسعورة مطوقة بحلقات معدنية حادة. وكان الهدف من هذه الكلاب شق الصفوف وإرعاب الخيول وتشتيت الجنود قبل التلاحم الفعلي بالسلاح.. وحين دخل القرن العشرون كانت فرنسا تملك كلاباً حربية مدربة استمرت بالخدمة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية (حين ثبت ضعفها أمام التقنية الألمانية الكاسحة).. ورغم أن الكلاب العسكرية ما زالت تُستخدم في الجيوش الحديثة - واستعملها البريطانيون والأمريكان في حربي الخليج الأخيرة - إلا أنها مخصصة حالياً للمهام الخاصة وأغراض البحث والإنقاذ!! ٭ وبطبيعة الحال لم تكن الكلاب الوحيدة في ساحة القتال، فالقوات الأمريكية الخاصة تملك 27 قرداً مدرباً على تفجير الألغام ونقل المتفجرات وأعمال الاستطلاع (من خلال كاميرات مثبتة على رؤوسها). وتم اختيار هذه القردة بالذات (وتدعى القردة المقلسنة) بسبب رشاقتها الكبيرة وذكائها العالي - لدرجة يستعين بها المعوقين هناك لفتح الأبواب وإحضار الطعام ورفع سماعة التليفون.. كما تتعاون الوحدات الخاصة من جامعة نيويورك للتحكم بالجرذان (بطريقة لاسلكية) لتنفيذ المهام العسكرية الدقيقة. فالفئران - كما هو معروف - تتمتع بحجم صغير ومرونة عالية تتيح لها التغلغل في أضيق الأماكن وتجاوز أكثر الخطوط تحصيناً.. وتعتمد الفكرة هنا على تزويدها بكاميرات استطلاع صغيرة تُرسل صوراً مباشرة - أو التحكم بها عن بعد لتفجير الألغام وقضم الأسلاك وتعطيل الأجهزة الحساسة!! .. ومن جانب آخر تملك البحرية الأمريكية برنامجاً متقدماً (بدأ قبل 44 عاماً) لاستعمال الدلافين في عمليات الإنقاذ والبحث عن الألغام البحرية وتفجيرها. وهي تملك اليوم 75 دولفيناً - بالإضافة إلى عشرين من أسود البحر وخمس فقمات - مدربة على مهام حربية مختلفة. وتشرف على هذه الدلافين وحدة خاصة يطلق عليها (الوحدة 55) كان لها الفضل في تدمير ميناء هايفونج أثناء حرب فيتنام.. والطريف أن الاتحاد السوفياتي أنشأ خلال الحرب الباردة (وحدة دلافين مضادة) مهمتها منع الدلافين الأمريكية من الاقتراب من الموانئ الروسية!! .. ما يستحق الإشادة في نظري هو العودة دائماً للجانب المدني واستخدام الأفكار العسكرية في حياتنا العادية، ففرق الكلاب العسكرية مثلاً تم استعارتها للبحث عن الضحايا والمفقودين.. أما دلافين البحرية فتستخدم حالياً للبحث عن الغواصين وإنقاذ غرقى الشواطئ.. أما القردة المقلسنة فيستفيد من خدماتها اليوم 90 ألف معوق في الولاياتالمتحدة وحدها.. أما الفئران فستكون الأفضل في مجال البحث والإنقاذ (لو نجحت الفكرة السابقة) بسبب قدرتها الفريدة على التغلغل في أضيق الأماكن والعثور على ضحايا الانهيارات والزلازل!! .. (أفكر شخصياً بالفائدة المحتملة للخنافس)!!