كتبت هذا المقال بعد أن قرأت عن الموافقة على تعديل قيمة الدية في السعودية الى 400 ألف ريال (حسب الشرق الأوسط يوم الثلاثاء الماضي).. فتعديل قيمة الدية أمر حان وقته بالفعل من حيث قيمته المادية/ وأيضا من حيث تفريقه بين الجنسين.. ففي أكثر من مناسبة قرأنا أخبار متشابهة عن معلمات يذهبن في باص متهالك للتدريس في إحدى القرى. وفجأة تنقلب السيارة وتصطدم بناقة مزيونة فيموت الجميع.. وبعد فترة تصدر قرارات التعويض على النحو التالي: 50 ألف ريال دية المعلمة (الأكاديمية المتعلمة). 100 ألف ريال دية السائق الذكر (الأقل تعليما ودخلا).. أما الناقة فاتضح أنها من مزايين الابل ويتجاوز سعرها 4 ملايين ريال (أي 80 ضعف دية المرأة)!! فالدية تقدر شرعا بقيمة مائة من الإبل للذكر المسلم، وخمسين للمرأة المسلمة.. ورغم أن قيمة الإبل ارتفعت كثيرا هذه الأيام إلا أن قيمة الدية لدينا ما زالت عند مستواها الذي أقرت به منذ ثلاثة عقود (وهي 100 ألف ريال للقتل للخطأ للذكر، و50 ألف ريال للأنثى بصرف النظر عن مستواها التعليمي أو دخلها الشهري)!! وخلال هذه الفترة ارتفعت قيمة الإبل حتى تجاوز بعضها أربعة ملايين ريال (حسب السعر الذي بيعت فيه 15 ناقة في مهرجان أم رقيبة الأخير) وبالتالي كان من الضروري تعديل مقدار الدية ورفعها عن مستوياتها الحالية.. أما تقدير دية المرأة بنصف الرجل فعرف قديم لا يعتمد على نص شرعي أو حديث صحيح (ومن يعرف دليلا صريحا يخبرني به).. فلو قرأت القرآن كاملا لن تجد سوى آية واحدة بخصوص الدية لا تفرق بين ذكر وأنثى {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا.. أما في السنة النبوية فلن تجد حديثا واحدا صحيحا يتحدث عن التفريق بين الرجل والمرأة بل أحاديث تتعلق بتقدير الدية والجروح مثل حديث عمرو بن حزم "وفي النفس مائة من الإبل" ولهذا السبب ساوى كثير من الفقهاء بين دية المرأة والرجل ودية المسلم وغير المسلم (ومثال ذلك أبو حنيفة في الماضي، وشيخ الأزهر محمود شلتوت في الحاضر عطفا على الآية والحديث الأخيرين الذين لم يتضمنا أي تفريق أو تقسيم أو تنصيف)!! وحين تتأمل رأي المتمسكين بتفريق الدية بين ذكر وأنثى تجدهم يعتمدون (ليس على نص يتعلق بالدية) بل على قياسين شهيرين: الأول: قول الله تعالى في الميراث {لِلذكر مِثلُ حَظ الأُنثييْن. والثاني: ان الرجل هو العائل والراعي لعائلته وبالتالي (على افتراض) أن خسارتهم فيه أكبر وأعظم.. .. ولكن لاحظ أن هذه الآية خاصة بالميراث وليس الدية.. وحتى لو تجاهلنا هذه الحقيقة كيف نتجاهل أن المرأة فضلت على الرجل في 14 موضعا آخرا من الميراث وبالتالي لماذا (وعلى نفس القياس) لا تفضل عليه في الدية في 14 حالة مختلفة؟! .. أما القياس الثاني؛ فقياس نسبي وتعميم غير مؤكد كون المرأة -خصوصا في عصرنا الحاضر- قد تكون هي العائل والراعي لعائلتها (فكم معلمة تصرف على أشقائها، وكم طبيبة أنقذت عشرات الأرواح)!! ... الحقيقة هي أن هناك آراء فقهية -وليس نصوصا شرعية- تقدر دية المرأة بنصف دية الرجل جريا على عادة العرب قبل الاسلام (ومازالت تؤكد حتى الآن نظرتنا الدونية للأنثى حتى بعد وفاتها وبصرف النظر عن مستواها التعليمي ومساهمتها الاجتماعية وقيمتها لزوجها وأطفالها)... ومقابل عدم وجود نص قال بعض الفقهاء (رغم وجود نص مائة من الإبل) أن هذا الحديث يتواءم مع العرف السائد في تلك الفترة وأن الاسلام ترك تقدير الدية بحسب العرف السائد والمتغير في كل عصر (بدليل خلو آية الدية من التفصيل، وبدليل ما يحدث اليوم في محاكمنا اليوم/ حيث قد تتجاوز مطالب أولياء الدم مائة ناقة ومع هذا يتم توثيقها شرعا)!! .. وبناء عليه أرى أنه من باب أولى تقدير قيمة الانسان -ليس بحسب ناقة منسية- بل بحسب قيمته المعنوية، ومساهمته الاجتماعية، ومكاسبه المادية (مضروبة) في متوسط العمر السائد في المجتمع! نعم أيها السيادة: فمن غير المعقول أن تنزل دية المرأة بنسبة واحد إلى 80 من قيمة الناقة، أو لا تساوي دية "المواطن" الدخل اليومي لأحد الهوامير!!