ثمة مثل مصري يقول: "اللي يخاف من العفريت يطلع له"، وفي المنطقة الشرقية وبعض دول الخليج المتماسة معها يقال: "اللي يخاف من دعيدع يطلع له"، ودعيدع هو واحد من مجموعة أساطير الجن أو "العفاريت" الخرافية التي شاعت في الخليج والجزيرة العربية عامة. تذكرت هذا المثل تحديداً مع موجة التهويل التي اجتاحت معظم التحليلات التي تناولت مباراة منتخبنا ونظيره الاسترالي؛ إذ انصبت تلك الرؤى والتحليلات على تصوير منتخب "الكانغرو" وكأنه القوة التي لا تهزم، حتى خال لنا أننا سنواجه "عفريتاً" لا يُقدَر عليه. لا لشيء إلا لأنه يضم بين صفوفه مجموعة من اللاعبين المحترفين في أوربا، بالإضافة إلى كونه وصيف بطل القارة الصفراء، وذلك بعد حلوله ثانياً في بطولة آسيا الأخيرة. ما يقال عن تزايد قوة الفريق الاسترالي صحيح؛ ولا ينكره إلا مغالٍ، أو صاحب رؤية فنية ضعيفة؛ وما يقال عن التراجع الحاد في أداء منتخبنا أكثر صحة؛ لكن لا يعني ذلك بأن الاسترالي وصل إلى المستوى الذي ترتعد فيه فرائصنا حين مواجهته، حتى ومنتخبنا يعيش حالة انعدام وزن فني على إثر ما خلفه في الدوحة في يناير الماضي والتي كان فيها فريسة سهلة ليس لمنتخب اليابان بل حتى لمنتخبي سوريا والأردن. أعتقد جازماً أن تلك التحليلات التي تصور منتخبنا بهذا الضعف المتناهي، وتظهر المنتخب الاسترالي بتلك القوة الضاربة تستند فقط على حضور الفريقين في البطولة الآسيوية، وفي ذلك خطأ استراتيجي في بناء التحليل الفني؛ إذ لا يمكن أن تقف المعطيات الفنية على تلك البطولة؛ لاعتبارات كثيرة أهمها اختلاف المسابقتين ونظامهما، فثمة فرق بين اللعب في بطولة مجمّعة تتساوى فيها الفرص، وبين اللعب في بطولة تعتمد نظام الذهاب والإياب بما فيه من عوامل مساندة غير العوامل الفنية، كالأرض، والجمهور، والأجواء المناخية، بل حتى عامل السفر وما يتسبب من تغيير في النظام العام؛ فضلاً عما يتعلق بالمتغيرات الفنية. أتفهم -جيداً- الشعور الذي يجتاح غالبية السعوديين؛ سواء من عموم الجماهير أو من النقاد والمحليين فيما يتعلق باعتقادهم بأن ليس ثمة ملامسة لأية متغيرات في مستوى المنتخب على مدى الشهور التسعة الماضية ما بين بطولة آسيا وتصفيات المونديال، وأن ما شاهدوه في مباراة عمان الماضية هو أقرب إلى منتخب (بيسيرو وناصر الجوهر) منه إلى منتخب ريكارد، وهم في ذلك محقون؛ إذ لم تظهر بصمات الأخير في مباراة مسقط، وتلك حقيقة؛ لكن الحقيقة الأنصع أننا نظلم ريكارد إذا ما طالبناه بإحداث انقلاب جذري في المنتخب في مدة لم تزد عن الأسبوعين!. أما ما لا أتفهمه، وما لا يجب أن نقبل به هو انعدام الثقة في المنتخب، إلى درجة تسييجه بالمخاوف في كل مباراة، وإشاعة أجواء الترهيب عند مواجهته لأي منافس، إذ تكثر عناوين التثبيط وعبارات الإحباط، وهو ما يمارسه بعض النقاد والمحللين الذين صوّروا كل المنتخبات ب "العفاريت"، ومنتخبنا بالحمل الوديع، وتلك ممارسة سيئة كونها تنعكس بشكل سلبي على اللاعبين من الناحية النفسية حتى وإن كان فقط من باب "اللي يخاف من العفريت يطلع له".