دعونا نقبل بأن اجتماع عناصر من المعارضة السورية مع وفد إيراني، هو جس للنبض ومعرفة مدى ما تستطيع عمله إيران بعد زوال الأسد، لكن هذا التقويم، وإن بني على تصريحات إيرانية ومن حزب الله بضرورة إعلان الإصلاحات في الداخل السوري، فهي غير جدية، فقد تكون المبادرة رسالة من النظام السوري لمعرفة أفكار وآراء المعارضة، وهو سبب جعل أعضاء من المناهضين للحكم السوري يرفضون المبادرة بناء على استنتاجات هم أعرف بها.. لكن عند تحليل أنماط المعارضة في الداخل، والتي ترى نفسها الأحق بإدارتها لأنها هي من تواجه بطش الحكم وآلته العسكرية الموجهة للشعب، نجد معارضة الخارج يوحدها تغيير النظام لكنها متناقضة التوجهات مما يفقدها الانسجام، واجتماعها مع الوفد الإيراني ضاعف الشكوك حولها.. معارضو الداخل، وربما حتى الخارج يحتاجون أن تكون إيران وسيطاً يوقف حمامات الدم، لكن الشكوك أكثر من اليقين بمواقفها ودوافعها، فالرهان على أنها تنظر للأسد ورقة محترقة غير صحيح، فهي تدعمه مادياً ومعنوياً، وتلطيف لهجتها تجاه الشعب السوري هي محاولة اللعب على مجريات المستقبل، مدركة أن أي حكم بعد نظام الأسد، لن يكون الحليف المميز، ولذلك يبقى رهانها عليه غير قابل للنقض، إلا في حال تدهورت الأوضاع إلى اتجاهات تنحسم لصالح الثورة، لكن المشكل ليس الحوار مع البديل المفترض للتنسيق بالسياسات وبناء حسن النوايا، لأن إيران تعرف أن تركيا داخلة في العمق السوري ولها رصيد تأييد أوروبي، وأمريكي، وكذلك عربي وإسلامي.. توجه الثوار لا يختلف من حيث النتيجة أن إيران ضالعة بكل ما يجري هي وحزب الله في دعم الأسد والتدخل في الشؤون الداخلية السورية، ومبرر أن تعامل بنفس التميز، في حال نجاح الثورة، أمر بعيد، ليس فقط بسبب التيار الإسلامي السني المتقاطع المواقف مع الشيعة، بل محاولة تشييع الشعب بالقوة، عندما انتشرت المدارس والحسينيات، والجمعيات الخيرية، والدفع، بدون حساب لكل من يتشيع، في مجتمع متدين بطبيعته ومتعصب لمذهبه وهويته الوطنية.. عملية أن تدور اتصالات بين خصوم أمر معترف به، لأن الوجوه السياسية تتشكل وفق تحقيق مكاسبها من أي عمل دبلوماسي، وإيران حينما تعلن دعمها وتأييدها لنظام الأسد فهي تبني ذلك على موقع سوريا الاستراتيجي التي فتحت لها نوافذ على لبنان والبحر الأبيض المتوسط، وجوار مع تركيا كدولة إقليمية كبرى بحكومة إسلامية نجحت في إدارتها الاقتصادية والسياسية، وهو أمر يؤرق إيران التي حاولت أن تكون القطب الجاذب والمهيمن على ما سمي ب«الهلال الشيعي» ليكون البديل هلال سني، وهذا أحد مبررات اجتماعها بالمعارضة السورية، سواء جاءت بدوافع ذاتية، أو دور ساعي البريد مع نظام دمشق، لكن ما يعيق النتائج أن الاجتماع يجري بحالة شك من كلا الطرفين مما يضعف النتائج حتى لو دفعت الأسد إلى قبول وقف إطلاق النار والحوار مع المعارضة، فهي ستكون الخاسر، لأن من سيأتي في ظل نظام تعددي بوجود الحكم الراهن، أو بدونه سيداخله الشك في كل ما تطرحه إيران..