العناية بالحرمين الشريفين من صميم رسالة ملوك المملكة العربية السعودية لا أحد يزايد مطلقاً على أن العناية ببيت الله الحرام والمشاعر المقدسة، في مكةالمكرمة التي كرمها الله إذ جعل بيته الحرام فيها، والمسجد النبوي الشريف في المدينةالمنورة التي هي من أحب البقاع إلى الله، والاهتمام ببيوت الله داخل البلاد وخارجها، والحرص على تشييدها وتوسعتها وصيانتها وأعمارها وتهيئتها للعبادة، لا شك أن ذلك كله يعد من صميم رسالة ملوك المملكة العربية السعودية، بداية من عهد المؤسس، الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه. وسيبقى التاريخ دائماً خير شاهد عدل وصدق على ما كان يؤكده المؤسس يرحمه الله، فالكل يدرك أن عبدالعزيز آل سعود قد بذل كل ما كان يملك من جهد في سبيل تيسير الحج على المسلمين وتأمين سبله حتى أصبح الناس من أهل بلاده وضيوفها من حجاج وعمار وزوار، يتنقلون عبرها من أقصاها إلى أدناها، لا يخشون إلا الله والذئب على أغنامهم، فكأن تحقيق الأمن والاستقرار وتأمين سلامة الحجاج والمعتمرين وزوار الحرمين الشريفين وتيسير سبل الوصول إليها من كل فج عميق، هو أهم أنجاز حققه الملك عبدالعزيز يرحمه الله، إذ كانت رحلة الحج قبل عهدة الميمون محفوفة بالمخاطر ومليئة بالرعب، ولم يكن الحاج يأمن فيها على ماله أو حتى نفسه. أما على صعيد توسعة الحرمين الشريفين، فقد اهتم ملوك الدولة السعودية منذ عهد المؤسس بخدمتها والقيام على رعايتها وتوسعتها، إذ بدأها الملك عبدالعزيز عام 1344ه (1925م) بتوطين مصنع كسوة الكعبة المشرفة في مكةالمكرمة. وبدأت مشاريع التوسعة السعودية للحرمين الشريفين بعد تأسيس المملكة مباشرة، ففي عام 1354ه (1935م) أمر الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه بعمل ترميمات وتحسينات شاملة بالمسجد الحرام. وفي عام 1368ه (1948م) أعلن عن عزمه على توسعة المسجد النبوي الشريف، بعد أن ضاق على المصلين، فأضاف إليه مساحة إضافية لتزداد مساحته الكلية. ثم تواصلت جهود ملوك هذه البلاد الطاهرة في العناية بالحرمين الشريفين، فأضيفت للحرم المكي ساحة أخرى في عهد الملك سعود، وكانت تلك عمارة عظيمة لم يشهد الحرم المكي مثلها من قبل. وفي عهد الملك فيصل يرحمه الله، أضيفت التوسعة الجديدة، كما أضيفت توسعة أخرى في عهد الملك خالد يرحمه الله. وفي عهد الملك فهد يرحمه الله شهد الحرمان الشريفان أكبر توسعة حتى الآن، يساعده ولي عهده الأمين، وعضده القوي المتين آنئذ عبدالله بن عبدالعزيز ، التي أنفقت القيادة الرشيدة عليها مبالغ مالية طائلة لنزع الملكيات وتطوير المناطق المحيطة بالحرمين وتنفيذ شبكات الطرق والجسور وغيرها من الخدمات الأساسية. وقادة هذه البلاد الطاهرة دائماً يسعون ويحرصون على خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة ويتضح ذلك جلياً من خلال تغيير لقب (صاحب الجلالة إلى لقب خادم الحرمين الشريفين) الذي يتشرف به حكام هذه البلاد المباركة. واليوم، يأتي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز سائراً على الدرب ذاته، فيأمر بتثبيت لقب (خادم الحرمين الشريفين) مناشداً شعبه ومواطني بلاده كافة في حضرة طلبة العلم، ألا ينادوه ب (ملك الإنسانية) أو (ملك القلوب) بل ب (خادم الحرمين الشريفين) اللذين يتشرف عبدالله بن عبدالعزيز بخدمتهما. وكلنا ندرك أن الحرمين الشريفين والمدينتين المقدستين كانتا في أول سلم أولوياته، لا سيما المشاعر المقدسة في منى وعرفات ومزدلفة، فأسس هيئتين مستقلتين لتطويرهما. وها هو اليوم يحفظه الله يضع الحجر الأساس لمشروع أكبر توسعة في تاريخ المسجد الحرام على مساحة تقدر بأربعمائة ألف متر مربع وعمق ثلاثمائة وثمانين متراً تستوعب أكثر من مليون ومائتي ألف مصل، وقد دفعت الدولة مليارات الريالات للعقارات التي تم نزع ملكيتها لصالح هذه التوسعة النوعية التي تعد علامة بارزة في عمارة المسجد الحرام. وهكذا نجد أن ملوك المملكة العربية السعودية يضطلعون بهذا التكليف والتشريف من منطلق شرف المسؤولية في خدمة الحرمين الشريفين والأراضي المقدسة.. وسوف تستمر مسيرة الخير القاصدة سائرة على طريق الصلاح والنماء إن شاء الله، تنشر نور الإيمان من هذه البقاع الطاهرة في سائر أرجاء المعمورة. * مدير جامعة شقراء